الشغل في العمارة
كان عطلان من زمن، من ييجي عشرين سنة.
الجد الحاج الكبير
كان لم القرشين اللي حيلته وحطهم في الأرض، ورمى الأساسات وصب الخرسانة، وأخوه
الصغير الناصح عرف يسايس موظفين الحي ويظبط ورق التصريحات والعقود والذي منه،
وسابها للابن يطلع بالأدوار ويمحر. تِركة تعَيِّش ولاد العيلة. ابن الحاج الكبير
اشتغل فيها شوية، بس الدنيا لفت بيه... سابها وعين عليها خفير، وحبّة وولاده زهقوا
من بلاوي البُنا ووجع دماغه.
الخفير شاف شغله
شوية، بس المال اللي مالوش صاحب بقى. سنة ف سنة بدأ الخفير يأجر الأرض الفاضية
قدام العمارة جراج لعربيات الحتة. شوية وخشب المبنا اتخلع واتباع. حبّة كمان وبقى
يأجر الأوض ع المحارة كده لولاد الحرام والعيال الشمامين والضَرّيبة.
قعد الخفير في
أوضته هو ومراته وعياله، ومابقاش على باله إلا الإيجار اللي جايله، الريع اللي من
ورا الأرض المكسرة وبواقي العمارة.
والعمارة بقت
حطام مهجور. تمشي بين حيطانها الخشنة رجليك تجرش أزايز البيرة الفاضية والسرنجات
البلاستيك، ويمكن تسمع صدى أصوات شهوانية بتحاول تكتم نفسها ف ركن ضلمة... ريحة
زبالة وقطط وكلاب ميتة، دبان بيزن ويلزق على وشك ما يِنهَش غير بالضرب. والأرض
قدامها مدّق وفي أركانها ريحة بِرَك البول وشياط أكوام الزبالة المحروقة.
وحصل ف يوم إن
الولاد أحفاد الحاج الكبير افتكروا الأرض. افتكروها، وقرروا يرَجَّعوها.
الخفير كان
واخدها وضع يد خلاص، وبقى معلم ف الحتة، وف ضهره المسجلين اللي كانت أوض عمارته
المهجورة بتستر قعدات كيفهم ولياليهم الحمرا.
أحفاد الحاج الكبير
الله يرحمه طردوا الخفير ومراته ووولادهم من العزبة اللي كانوا عاملينها لنفسهم.
طردوهم، بس داقوا المر من حبايب الخفير... واتعلم على أحفاد الحاج بالمطاوي والسنج
والجنازير. بس طردوا الخفير ومراته وعياله، كسّروا الأوضة بتاعتهم، ووقفوا أخيراً
ياخدوا نفسهم على ما الفواعلية والونش ينكسوا أشلاء العمارة القديمة، عشان يطهروا الأرض ويطلعوا
بالجديد.
"أخيراً،
نبني على نضافة بقى! مبروك ياخويا" قالوها سوا.
ودي كانت آخر
حاجة قالوها سوا.
أخ اتمطع ورفع
نضارة الشمس على راسه، "يا سلاااام بقى، لو تبقى دي جنينة خضرا كده ولاد
الحتة يشموا نفسهم فيها، حوالين نافورة ظريفة ومكتبة استعارية محترمة فيها قاعدة للقراية
والدراسة! يااااه ع العز!"
"نافورة
ومكتبة إيه يا عم الخواجة" ضحك الأخ التاني أبو بنطلون جينز قديم بهتان
"الله يرحم والدك يا عم، إنتا فاكر نفسك مواليد فيينا مركز توتي فروتي؟ إحنا
نطلع بسوبر ماركت قطاعي بسعر الجملة، وممكن دكان أدوت كهربا ولا حاجة يا عم يخدموا
ولاد الحتة."
نفخ التالت نفس
السيجارة، وشوح لهم بإيده، "يابا منين فلوس البُنا والبضاعة أصلاً؟ خلينا ف
اللي عارفينه، إحنا نأجر الأرض جراج زي ما هي على ما تُفرَج."
لم الرابع السبحة في جيب قميصه وهو بيقول
لأخواته، "استهدوا بالله بس! إحنا نبني ع الأرض بيت ربنا وجنبه سبيل كولديرات
مياه ساقعة، ونعمل مجمع خدمات صغير كده يدي دروس للطلبة ولا مستوصف طبي."
"يا عم
الشيخ من قلة المساجد ما هو كل شارع فيه مسجد أهو؟"
"مش أحسن من
الجنينة اللي شوية وتتملي عيال وبنات صيع بيحسسوا على بعض؟"
"خليكوا
انتوا كده! ما العمل عبادة يا جدعان، نشغل ولاد الحتة ف السوبرماركت!"
"طب بذمتك
إنتَ وهو مش الجراج أوقع بدل أحلام اليقظة دي؟!"
واتسحل الاخوات
كل واحد بيدور يشوف كام واحد من ولاد الحتة مستعد يساهم في تصميم الجنينة، واللي
لم العيال الملتحين يوزعوا كتيبات "فضل تعمير بيوت الله"، واللي يلف ع
القهاوي يحشد العواطلية ورا فكرة الدكان وتشغيلهم فيه.
كل ده ولسة الأرض
الفاضية قدام أنقاض العمارة جراج لعربيات الحتة، ويا حسرة بقت جراج مجاني، حتى
ماعادش في الخفير يلم من صحاب العربيات تعريفة ركنة! أرض مدّق، في أركانها ريحة بِرَك
بول وشياط أكوام زبالة محروقة. والعمارة لسة ركام مهجور. تمشي على أطلال حيطانها
الخشنة رجليك تجرش من تاني أزايز بيرة فاضية وسرنجات بلاستيك، ومن ورا أكوام
التراب صدى أصوات شهوانية بتحاول تكتم نفسها ف الضلمة... ريحة زبالة وقطط وكلاب
ميتة، دبان بيزن ويلزق على وشك ما يِنهَش غير بالضرب.
يا ترى دي آخرة
حكاية الاخوات الأربعة؟