للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Saturday, December 31, 2011

تريدون ان يحكمنا هؤلاء؟

خرج علينا نادر بكار، المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي، خلال مؤتمر انتخابى لدعم مرشحى حزب النور السلفى فى انتخابات مجلس الشعب، بالدائرة الأولى فى الدقهلية مساء الخميس 29 ديسمبر 2011، بكل حنان ورحمة قائلاً: "العلمانيون والليبراليون يريدون حكومة ائتلاف وطنى ونحن موافقون، بشرط احترام الشريعة الإسلامية، لكنهم يرفضون ويريدون التكتل ضد الشريعة، ونحن سنكون أرحم بهم من أنفسهم وسنمد أيدينا إليهم"
فجلست الى الوراء قليلاً، مسترجعاً بعض ذكرياتي مع اقطاب ورموز التيار السياسي الديني، كي ارى حقيقة تلك الرحمة وحقيقة مد الايدي ذلك... اليوتيوب موجود، والبحث على جوجل متاح للجميع للتأكد من صحة هذه الذكريات...



  • جماعة الاخوان المسلمين لا تعترف بمفاهيم المسلم الليبرالي والعلماني واليساري (صبحي صالح، القيادي الاخواني – مايو 2011)
  • إن من ينتخب غير الاسلاميين فكأنه يقول لله: يا رب انك طالبت بتولي رجل مسلم امر المسلمين وانا اعترض على هذا، واختار رجلاً علمانياً منكراً لوحدتك او ليبرالياً يفعل كما يشاء دون قيد لشريعتك. كل الدعاوى التي ترشح العلمانيين والليبراليين لرئاسة الجمهورية لا تمت للاسلام، واصحابها ايضاً لا يمتون للاسلام بصلة (القيادي السلفي حسن ابوالاشبال – يونيو 2011)
  • هم (معارضو التيارات السياسية الاسلامية) ليسوا كفاراً فحسب بل اتباع الشيطان وائمة في الكفر... لا يمكن ان يتولى المسيحي رئاسة الدولة لأنه من الصعب ان يحكم بالدين الاسلامي، والمرأة ايضاً لا يمكن ان تتولى الحكم لأنها تصاب بضعف اثناء الدورة الشهرية، ولذلك لا تستطيع اصدار القرارات، فليس من المعقول ان يكون مصير الشعب في يدي امرأة حائض (د. محمد مختار المهدي عضو مجمع البحوث الاسلامية رئيس الجمعية الشرعية – يونيو 2011)
  • إن الإخوان عندما اكتووا بنيران الظلم والاستبداد وغيبوا في السجون والمعتقلات وتعرضوا للتعذيب والتنكيل، كان الله للظالم بالمرصاد فبعد كل تنكيل بالإخوان كان الانتقام الإلهي شاملاً وعاماً فعقب اعتقالات الإخوان في 54 كانت هزيمة 56 ، وعقب اعتقالات 65 للإخوان كانت الهزيمة الساحقة في 67 ، وفي مصر مبارك تعرض الإخوان للاعتقالات والسجن والمحاكمات العسكرية الظالمة فكان سقوط النظام بأكمله عقب ثورة 25 يناير (د. محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في رسالته "فى ذكرى 5 يونيو 1967" – يونيو 2011)
  • ادب نجيب محفوظ ادب يشجع على الرذيلة، ادب كله جوّه اماكن المخدرات وشرب الحشيش وكله جوّه بيوت الداعرات. باقول رواية اولاد حارتنا رواية رمزية فلسفية فيها بُعد الحادي (عبدالمنعم الشحات – ديسمبر 2011)
  • إن شياطين الأرض من العلمانيين والليبراليين لا يوجد فى جعبتهم إلا قلة الأدب والسفالة، وهذه بضاعتهم التى يساعدهم عليها العديد من وسائل الإعلام الفاسدة والعميلة... الكنيسة قالت بالحرف من العار علينا أن ينجح الشحات فى جولة الإعادة، وللأسف انضم لها الكثير ممن يحسبون على المسلمين، وأتساءل: كيف يضع المسلم يده فى يد غير المسلم للحرب على أخيه المسلم؟ نقول لهم إن صلح الحديبية كان ظاهره الظلم والجور على المسلمين، وباطنه كان الفتح المبين، وفتح الله مكة ودخل الناس فى دين الله أفواجاً، وسيكون سقوط الشيخ الشحات فتحاً مبيناً لوضع قواعد الدولة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله، فلا تفرحوا أيها الشياطين كثيراً (الشيخ سيد العفانى، امين حزب النور ببنى سويف، خلال مؤتمر للحزب بالمحافظة 8 ديسمبر 2011)
  • لن نقبل الديمقراطية التي تقول ان الحكم لغير الله، وان الشعب لو اراد ان يحتكم لشريعة اخرى غير الاسلام فهذا حقه (ياسر برهامي، القيادي بالدعوة السلفية –  ديسمبر 2011)
  • جامعة القاهرة انشِأت لتغييب المسلمين ومحاربة شرع الله ووتخريب عقول الشباب المصري والوقوف حائلاً دون تطبيق الشريعة الاسلامية (حازم شومان – ديسمبر 2011)
  • منصب المرشد... أعلى من مستويات رئيس الجمهورية ليس فى السلطات ولكن فى المسؤولية والأمانة (محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ديسمبر 2011)
  • إن الجماعة أصبحت قريبة من تحقيق غايتها العظمى التى حددها مؤسسها الإمام حسن البنا، وذلك بإقامة نظام حكم عادل رشيد بكل مؤسساته ومقوماته، يتضمن حكومة ثم خلافة راشدة وأستاذية العالم (محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فى رسالته الأسبوعية 29 ديسمبر 2011)
  • طظ في مصر (مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين)

والقائمة لازالت مفتوحة، وبها متسع للاضافات...

Friday, December 30, 2011

الاغلبية تخطئ احياناً

لم يتفاجأ اي متابع للمشهد السياسي المصري منذ سقوط مبارك في فبراير 2011 بنتائج الانتخابات البرلمانية الراهنة. فقد ركبت التيارات الدينية الثورة فـ"تمطعت" واسترخت، وتدريجياً انتهجت منهج تكفير وتخوين واخيراً محاولة اقصاء التيارات الليبرالية كليةً. مع ان الضمير والتاريخ يشهدان ان ميدان التحرير طوال الـ 18 يوم كان ليبرالي اللب والنخاع – فالليبرالية هي تواجد جميع التوجهات والاطياف السياسية جنباً الى جنب، دون تفضيل فئة على اخرى او تمييز "فرقة ناجية" عن الباقين.


تنتهج التيارات السياسية الدينية منهج "اعادة اختراع العجلة". فهم يريدون تجاهل خبرات العالم المتقدم اجمعها، ثم التجالس معاً جلسات بناء الدولة من جديد بطريقة "التجربة والخطأ". فكانت النتيجة حتماً تكفير الليبرالية والعلمانية، وهما المنهجان السياسيان اللذان يتفق عليهما اغلب دول العالم التي تحققت فيها الديمقراطية غايتنا. وحجتهم في هذا اننا امة مختلفة وهوية متميزة. صحيح، ولكننا الان في مقام المبتدئين سياسياً، ولدى ثورتنا ميزة قد تقدمنا حتى على دول الديمقراطية المكتملة: خبرات السابقين، فهم حين ثاروا (بدءاً بالثورة الفرنسية 1789) كانوا يشقون درباً جديداً، اما نحن فطريق خبراتهم واخطائهم واستنتاجاتهم امامنا! نحن جزء من عالم هو الآن قرية صغيرة يا ناس! لن تفلح محاولات الانعزال وتجاهل كل ما حولنا، والا صرنا افغانستان او سودان او صومال!


وبعد، فانطلاقاً من مبدأ الاستفادة من خبرات الماضي، فقد وجدت في تاريخ صعود وسيطرة النازية بعض الملاحظات، اثارها في ذهني مَن يتشدقون بالاغلبية واعداد الاصوات، ويغمضون اعينهم عن السياق المجتمعي والسياسي الذي افرز اصواتاً لتلك "الاغلبية". لا اعلم ان كانت التيارات الدينية تتجاهل عمداً ان الاغلبية التي نالوها لم تأتِ عن قناعات سياسية، قدر ما اتت وليدة عاطفة دينية لدى شعب يعاني اغلبه من الامية ويفتقر الى الثقافة، ام ان تلك التيارات تجهل فعلاً تلك الحقيقة بسذاجة سياسية مخجلة!  


فاقول لهم: ان كنتم تتمسكون بالاغلبية العددية للاصوات على اطلاقها متجاهلين سياقها، فمن حقي اذاً التمسك بمخاوفي التي تحذرني منها خبرات الماضي!


المقتطفات التالية هي من كتاب "هتلر حياته ونواحي شذوذه" عن دراستي بولوك وشيرار من سلسلة "اعلام ومشاهير" باشراف د. رؤوف سلامة موسى بدار ومطابع المستقبل. ادعو القارئ لملاحظة التشابهات الشديدة بين ما يأتي وبين مواقف وتصريحات التيارات السياسية الدينية خلال الشهور الماضية.


·     بعد دقائق قليلة من بداية خطبه (اي، هتلر) يصبح مدفعاً رشاشاً يطلق كلماته بدون تمييز في كل اتجاه. ومع ان بعض هذه الكلمات المتدفقة، كان يطيش عن هدفه، ولا يجد لها القارئ بعد ذلك معنى في ذهنه، فانها كانت تحدث وقت انطلاقها، السحر في نفوس مستمعيه. فيعلو البشر وجوههم، ويفيض حماسهم، وترتفع الايادي مصفقة ثم الحناجر مدوية. وما من شك، ان بعض اقوال وشعارات هتلر كان يخالف العقل والمنطق، وانه كان يهتم في وضعها بشحنتها العاطفية، وجرسها الرنان في نفوس الجماهير الالمانية. ولكن هتلر نجح، رغم هذا، في كسب ثقة اعداد متزايدة من الالمان.
·     في انتخابات سبتمبر عام 1930، احرز النازيون اكثر من 5 ملايين صوت. ونالوا 107 مقعداً في الرايخستاج. واخذ الالمان يوافقون النازيين الى ان الاحوال في بلادهم تحتاج الى "مُخَلِّص".
·     كان النازيون يؤمنون ان من يسيطر على الشارع يسيطر على الساحة السياسية في البلاد.
·     في يوليه عام 1932، رشح هتلر نفسه لرئاسة المانيا، منافساً البطل الالماني فون هندنبرج. ومع ان هتلر لم يحصل على غير 9 ملايين صوت (مقابل 13 مليوناً لفون هندنبرج) فان عدد النواب النازيين في الرايخستاج ارتفع الى 230 نائباً (مقابل 81 للشيوعيين).
·     رفض هتلر منصب نائب التشانسلر. ورفص في نفس الوقت، ان يطاوع المتطرفين من اعوانه، وان يقوم بانقلاب لتغيير السلطة بالقوة بعد تجربته الاولى الفاشلة في بوتش عام 1923. اذ كان موقناً انه لو فعل، لتدخل الجيش الالماني ضده، وفقد كل امل في حكم المانيا.
·     في 30 يناير عام 1932، استسلم فون هندنبرج لهتلر. فاصبح الاخير تشانسلر لالمانيا. ومع ان عدد الوزراء النازيين كان قد حُدِّدَ بثلاثة من بين 11 وزيراً، فان احداً لم يعد يقوى، بعد ذلك، على وقف سيطرة النازيين على المانيا.
·     استطاع النازيون خلال اشهر قليلة من توليهم الحكم، وبفضل اجراءاتهم البوليسية العنيفة، وفرقهم المسلحة، وتفضيل منافسيهم السلامة والهروب، ثم نجاحاتهم الباهرة بعد ذلك في الداخل كما في الخارج، ان يحكموا المانيا من دون اية مقاومة تقريباً، طوال الاعوام الاثنى عشر التالية.
·     التف الالمان حول هتلر، وحول نظامه، بما يشبه الاجماع. وفاقت نسبة الموافقين له، في اواخر الثلاثينات، الـ 90%  من الناخبين، وكانت عند توليه الحكم تقل عن 50%.
·     كانت اللكمات القوية التي يكيلها هتلر للدول الاوروبية (وقف دفع تعويضات معاهدة فرساي، الانسحاب من مؤتمر نزع السلاح ومن عصبة الامم) تجد التأييد والاعجاب من اغلبية الشعب الالماني. وقد اثبت هتلر للعالم احاسيس شعبه، حين عقد، عقب انسحابه من هيئة الامم، استفتاء شعبياً على سياسته الخارجية. فايدها 95% من الناخبين.




ولا حاجة لنا للتذكرة بديكتاتورية هتلر وجرائمه، وبمصير المانيا، اي الاغلبية التي ساندته طوال الطريق، على يديه – رغم انه وصل الى سدة الحكم بديموقراطية صحيحة وعلى اعناق اغلبية كاسحة، ورغم ما حققه من انجازات ملموسة على ارض الواقع:



·     بدأ النازيون منذ عام 1933 خطتهم الأولى "السنوات الأربع"، التي سخت فيها الدولة بأموالها، لبناء الطرق، وللصرف الصحي، ولاقامة المنازل. وشجعت الشباب على الاشتراك بأيديهم في كل هذه الأعمال. وعلى الاقدام على الزواج (بتقديم المنزل والقروض) في سن صغيرة.

·     تناقص عدد العاطلين بسرعة، من 6 ملايين في 1933 إلى 2.5 مليون فقط في 1934، ثم الى لا شئ تقريباً في العام التالي، 1935.

·     وفي نفس الوقت، كان هتلر قد حدد الأجور، وقضى على التضخم، ومنع اضرابات العمال منعاً باتاً. حتى إذا أهل عام 1938، كان الرخاء يعم انحاء المانيا.



لكن، رغم كل ما سبق، فلأن هتلر رأى في نفسه وحده المُخَلِّص الذي انتظره بلده لانتشاله من مآسيه، ولأن منهجه الفكري قام على تميز فئة على باقي الفئات اجمع –  فالى حانب فكرة الجنس الآري، انشأ هتلر "الصفوة الثورية في اوروبا"، جنود الـ إس إس، وطلب من كل متطوع أن يثبت دماءه "الآرية"، حتى عام 1750 على الأقل. وحتم عليهم الزواج من "آريات"، ووجوب فحص زوجاتهم، واقرار زواجهم بهن، قبل اتمامه. فاذا انجبوا من زوجاتهم ابناء، أدخل هؤلاء الأبناء إلى معاهد خاصة مميزة تقوم على تربيتهم وفق تعاليم النازية (واقعة "الفلوطة"...؟)  لهذا، كان مصير هتلر ما كان، ولم يدم الرايخ الثالث، الذي قال عنه هتلر انه سيدوم 1000 سنة، سوى 12 سنة... واسمعي يا جارة.




هنيئاً لكم اذاً الاغلبية التي وصلتوا اليها، وليوفقكم رب العباد ويهديكم الى صالح مصر الحقيقي. وآمل الا تسحلوا هذا البلد المسكين الى ظلمات الرجعية والجمود بتمسككم بمنهج تكفير واقصاء المعارضة الليبرالية... الاغلبية لا تعصمكم من الخطأ، وقياساً على تناقضاتكم وتقلباتكم منذ تحريمكم الخروج عن الحاكم وتكفير الديمقراطية الى تكالبكم على مقاعد البرلمان، ارى ان مصر معرضة للوقوع في مستنقع عفن، ان لم تفق القوى الليبرالية لانقاذ ما تبقى من "ميدان التحرير" الذي عرفناه، طوال الـ 18 يوم، منبراً لليبرالية.


Thursday, December 22, 2011

رد كرامة الفتاة التي عرَّت رجالة مصر - إعداد وتقديم احمد انور

Wednesday, December 21, 2011

أين اخوة عبير وكاميليا اليوم؟

لا ننسى ابداً تلك الحناجر الجبارة التي خرجت تزأر "عايز اختي كاميليا"، والايادي الشديدة التي اقتحمت دار عبادة واحرقت اخرى على سبيل الاحتياط عسى ان تكون الفتاة المصرية عبير مختطفة ومغلوبة على امرها في احداهما.

مَن منا ينسى اولئك العمالقة الذين حاصروا كاتدرائية الاقباط الارثوذكس بالعباسية لترهيب الانبا شنودة وحمله على اشهار مَن زعموا انه احتجزهم باوامره في الكنائس؟

هل ننسى الشيخ الهمام الذي وقف يرعد في مكبر الصوت وسط حشد من انصاره الفحول، متوعداً بالتنقيب في كنيسة تلو الكنيسة ودير تلو الدير لتحرير الاخوات الاسيرات فيهم؟

وان نسينا اسماءنا لا ننسى ذلك اليوم الجليل الذي احتشد فيه فخر الرجال في ميدان التحرير بالآلافات، استعراضاً للقوة وتحذيراً لكفار العلمانية والليبرالية من المساس بهوية الوطن الدينية، بهتافات "الشعب يريد تطبيق شرع الله".

ولأننا لم ننسَ كل ذلك، فقد ترقبنا ردود افعالهم على انتهاك اعراض عشرات السيدات المصريات خلال احداث شارع قصر العيني ومجلس الشعب، وعلى رأسها واقعتي سحل وتعرية غادة كمال وصفع "ماما خديجة" ام الثوار، ايقونتي تلك الانتهاكات. ترقبنا ردود افعال اولئك الـ "حمشين" المذكورة مواقفهم الرجولية اعلاه. ترقبنا ردود افعال مَن عينوا انفسهم حراس العقيدة وحماة القيم. ترقبنا ردود افعالهم كي نتعلم منهم نحن الملاحدة المعربدين قدراً من النخوة واحترام النفس.

وجاءت مواقفهم درساً في الشجاعة، ولكن اي شجاعة؟ شجاعة دون كيهوتي ذلك الكهل الموهوم الذي ترجي عاملاً في فندق ان يعينه فارساً، ثم خرج لينازل طواحين الهواء! ولمن لا يعلمون مَن هو دون كيهوتي، ممن يعتبرون الروايات الحاداً وفجوراً، ساعيد صياغة العبارة السابقة: جاءت مواقف اولئك المتاجرين بالدين درساً في الشجاعة التي لا تظهر الا حين مواجهةٍ هم الطرف الوحيد فيها! شجاعة لا تظهر الا حينما يطمئنون الى انهم يبارزون الهواء!
 

وحين وجدوا العالم كله منتقداً موقفهم، كانت حجتهم الركيكة ان مَن احتجوا على تعرية غادة منافقون، اذ ان المحتجين هؤلاء هم مَن يطالبون بالتعري والبيكيني ومنع الحشمة والحجاب!

لا يا نبيه... احتجاجنا على انتهاك غادة واخواتها منبعه نفس منبع تخوفنا مِن "منع البيكيني وفرض النقاب". فانت حين تمنع البيكيني وتفرض النقاب تفعل ذلك بدافع مِن تعيين نفسك قيماً على حريات الخلق، والتطور الطبيعي لفرض زيٍ ما اليوم هو فرض سياسة وفكر ما غداً، والذي نسمح له بانتقاء ملابسنا اليوم سينتزع لنفسه حق انتقاء توجهاتنا وقناعاتنا غداً! فان منعت الحجاب وفرضت البيكيني سيكون احتجاجنا حينذاك مثل احتجاجنا اليوم تماماً. وهكذا ايضاً احتججنا على تعرية واهانة المواطنة غادة كمال. فمَن يسكت على انتهاك فرد اليوم سيُكَمَّم حين يُنتَهك شعب غداً.

يا افاضل، نحن نرى بناتنا واخواتنا مواطنات كاملات مساويات لنا، اما انتم فتروهن في المقام الأول عورة وينابيع شبق يتحتم تكبيلهن وضبطهن على تيرمومتر رغبات الرجال... لم نسمع واحداً منكم منادياً بفرض تعليم الفتيات في الارياف، او منع الزواج المبكر من امراء الخليج مقابل حفنة من الجنيهات – كل ما يظهر على آفاقكم هو ما سينكشف من البيكيني وما سيختبئ تحت الحجاب!

منكم مَن يرون تلك الفتيات اللائي انتُهِكن في التحرير خليعات منحلات، اذ انهن انغرسن وسط الرجال في احداث عنيفة، ومنكم مَن اعتبر نزولهن اهانة لرجولتكم، "هي البلد ماعدش فيها رجالة تحميها ولا ايه؟"، بنظرة ذكورية استعلائية مراهقة. اما نحن فنرى النساء مواطنات بجوارنا دائماً في جميع معتركات الحياة، ومعنا في كل خطوة نخطوها، لا في المطبخ وعلى السرير فقط!

حتى وان افترضنا جدلاً انهن مومسات اندسسن وسط المعتصمين بحثاً عن زبائن الحرام (وهذا طبعاً افتراض سخيف يعلم كل عاقل مدى بعده عن الصواب، ولكن لاننا نخاطب جميع العقليات...)، اليس للمجرم حقوق قانونية؟ اليس الضرب والركل والتعرية والسحل ظلماً بيناً تحت اي ظرف من الظروف؟ الم تسمعوا يا افاضل بالحديث النبوي الشريف القائل:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا
 فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ (رواه احمد)
وايضاً:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا
 فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ (رواه احمد) ؟
رأيتم غادة تُنتَهَك فلم تنفعلوا الا بما لبسته او لم تلبسه تحت العباءة! لم تروا مواطنة لكم تفقد في لحظة كل حقوقها على ارض بلدها! لم تروا انسانة يقهر روحها ويستبيح جسدها اخوها الانسان! انما رأيتم انثى انكشفت ملابسها الداخلية، فانشغل خيالكم في تصور مراحل تعريها!
يا افاضل...
فتيات مثل التي رميتوهن بالخلاعة واجهن مع مواطنيهن رصاص العادلي بل نظام مبارك باكمله، بينما كنتم انتم قابعين وسط انصاركم، مختبئين من بطش امن الدولة ورغم ذلك تكفرون الخروج على الحاكم
و http://www.youtube.com/watch?v=KQhQmYAlWFE على سبيل المثال لا الحصر).
بتن، تلك المواطنات، تحت سماء وبرد يناير القارص حتى اُزيح رأس النظام، فخرجتم انتم من مخابئكم وركبتم الثورة كالمطية! لا نسألكم النزول عن الثورة اذ انها ملك للكل، انما نسألكم على الأقل احترام مبادئها: المساواة والتعددية والتفتح، تلك المبادئ التي تجلت طوال 18 يوم في ميدان التحرير.

هيا، اقرأوا كلماتي هذه ثم العنوا ضلالي، ثم اسرعوا الى لجان الانتخابات وفرز الاصوات، كي تخرجوا بعدها باصوات الاغلبية التي اشتريتوها باسم الدين، وارقصوا طرباً بالنصر على جثامين واجساد الشباب والشابات الثائرين، بينما دماهم الزكية تتبعثر تحت وقع اقدامكم!



ماما خديجة، أم الميدان



Monday, December 19, 2011

الضباب

ضباب

بقع دم وريحة عفرة وتراب

غيوم

ولايا تصوت، مجاريح بالكوم

حريق

الثاير اتساوى بالعدو بالندل بالبرئ

ماعدش حد فاهم: العيب ع المسافر ولا الطريق؟

نار قايدة في مباني

نار تحرق اماني

البلد دي وجعاني

زهقت من نفسي ولا الناس؟

حكومة؟ جيش؟ ولا زهقت اصلاً مِ الاحساس؟

اتعامى  وادفن راسي في رمل الصحرا

ولا ارجع تاني في ايد عَلَم وف التانية صخرة؟!

صبايا اتعروا ولدان اتعَوَرْوا

طلع النظام باقي ماوقعش غير صوره!

حاميها غدر بيها جَهَّز نعشها ودق مسمار   

والرصاص مش م الاعادي ده مِ الجار وصاحب الدار!

المصري قتيل في ارضه والجاني ابن بلده

مين ياخد تار القتيل لما اللي سَيَّح دمه ولده؟

قوم تاني يا مصري مصر لسة بتنادي عليك

قوم قبل ما تلقى السلاسل تاني في ايديك

قوم قبل ما يقولوا ماكانتش ثورة دي كَت غشامة طيش

وترجع تاني راضي بقليلك... هدمة وقرش وكسرة عيش

قوم فِز وحياة دم مينا وعلاء والشيخ عماد

قوم عشان شرف البنات قوم عشان عيون الولاد

قوم وماتقعدش تاني غير لما بجد بقى تنتعش دي البلاد!

ربك اسمه العدل، والكافر بالعدل كافر برب العباد


Sunday, December 18, 2011

ربما؟


كانت تفاصيل الوضع القائم منذرة بالاعصار الهادر الوشيك.

انصرف الحاكم عن شئون بلده الى قضاياه الخاصة وحياته الشخصية وانشغالات يومياته.  لم يرَ حال البلد الا بعيون حاشيته وخواصه الاقربين، والذين قدموا بدورهم نصائح وشورى لم تكن الا طموحاتهم الفردية واطماعهم الانتهازية مغلفة في عبوات "استشارات".

التحفت تفاصيل الاقتصاد بسحابة من الغموض المذهل. فبينما الموارد متاحة ومعروفة للجميع، والايرادات على ما يبدو "تحت السيطرة"، تجلى الفقر بفجاجة في كل مظاهر حياة المجتمع ، وتراكمت الديون الداخلية والخارجية على عاتق الدولة يوماً بعد يوم.

تشوه المجتمع بطبقية مجحفة وظلم مخجل في توزيع الثروات... فالكثير يتكدس في خزائن "النخبة" القليلة المتنعمة، بينما تكدح الاغلبية من اجل القليل الذي بالكاد يضمن كفاف اليوم. دخل المجتمع في دوامة نتنة من الفقر والجهل والمرض واللامبالاة والعنف – فالمعدة الجوعانة تكبل العقل. وانجرفت "النخبة" الى دوامتها ايضاً، دوامة المال الذي يشتري السلطة التي تيسر اقتناص المزيد من المال الذي يعزز النفوذ، حتى صاروا اسياداً يمتلكون البلد، بينما العامة هم كعبيد احساناتهم. تجبر "السادة"، وانتهكوا موارد الوطن – البشرية والمادية – لصالح منافعهم ورفاهيتهم. وهُتِكَ عرض الوطن يوماً بعد يوم.

فتحت السجون والمعتقلات ابوابها في ترحيب ساخر بجميع افراد الشعب. امسى الحصول  على ورقة بوشاية او تلفيقة ايسر من الحصول على قليل من الضأن. كانت شكوى بسيطة للجهات المعنية، مسنودة بما تيسر من النفوذ، كفيلة ليجد المرء نفسه شبه مختطفاً وملقياً به في زنزانة معتمة، لا يعلم مخلوق عن مصيره شيئاً – وربما بقى معتقلون في زنازينهم حتى نسى امرهم من زجوا بهم فيها اصلاً.

ووسط ذلك المستنقع الآسن، سرت عدة حركات شبه سرية، تدبر لأمر ما... تناوش بين الحين والآخر مناوشات ضد السلطة – مناوشات كأنها عدَّات قنبلة موقوتة تنذر بما هو آتٍ.


واندلعت اول شرارة في مستودع بارود الثورة.

ماجت العاصمة بعشرات آلاف الثائرين، ومن العاصمة انتشرت الموجة الى كافة الضواحي والمدن... تهاوت اول ما تهاوت السجون ومراكز الشرطة خادمة البلاط، رموز الحكم الدموي... خرج المساجين من زنازينهم، وقُتِلَ مَن قُتِلَ من سجانين ومساجين سواء. ولبرهة، سرت في جسد الوطن رعشات فوضى وخراب ودمار ونهب وسلب.
وبقى الحاكم متقلصاً على كرسيه، حاسباً الثورة تمرداً لا اكثر.

استمر الثوار على احتجاجهم... واستمرت تهويشات الحاكم وبلاطه... تضاعف المتظاهرون والمحتجون يوماً بعد يوم... انضم العسكر للثوار... سقط القتلى والجرحى... توالت تنازلات الحاكم... والثوار على ثباتهم.

سقط الحاكم، ساحباً معه رموز نظامه. عُقِدَت المحاكمات للمخلوع  ورجالات نظامه. وجرى في المجتمع تيار استئصال وتصفية كل مَن اتصل يوماً بالنظام الذي كان وسقط.

وصارت الثورة تلك مضرباً للمثل ونموذجاً يحتذى في القارة كلها، وتناقلت اخبارها دول العالم اجمع.

شئ فشئ، هدأت حمم الثورة الأولى، وما أن اخذت المياه مجاريها الجديدة، حتى بدأت قضايا مجتمع ما بعد الثورة في الظهور – وبظهورها اجتذبت الأنصار ونفرت الرافضين. وما بين مؤامرات داخلية وخارجية – حقيقية ومتخيلة على حد سواء – دخل الثوار بثورتهم في نفق مظلم. تناحرت التيارات السياسية المتباينة، وتعالت الاصوات متجادلة حول مختلف القضايا: الموقف من رافضي الثورة ومؤيدي النظام الساقط... دور المؤسسات الدينية في مجتمع وسياسة ما بعد الثورة... دستور جديد واستفتاء ثم دستور اجدد ثم تعليق العمل به وهكذا دواليك... وبدت الثورة كأنها اخذة في التهاوي امام ضربات داخلية من فلول النظام الساقط، وطعنات خارجية من جيرانها الذين خشوا امتداد عدوى الثورة الى شعوبهم – الى جانب المشكلات التى ورَّثَها النظام السابق، فلا زال الفقراء فقراء، وتعالت المطالبات بتثبيت الاسعار والرواتب. وبدا كما لو ان الثورة لم تضف جديداً الا تفكك القليل الذي كان بالكاد متماسكاً.

لم يجد حماة الثورة للحفاظ عليها بداً من التجبر، فحاربوا "اعداء الثورة" بالاعتقال والتكميم والاعدام ، بل وانقلب قادة الثورة ورموزها في اختلافاتهم على بعض، حتى اعدموا بعضهم البعض! ازدادت الانشقاقات بين مختلف تيارات الأمة، حتى وصلت الى حد الصراعات الاهلية، زاد من وجعها تحرشات الجيران بحدود الوطن. مرة اخرى، عاد الحكم ديكتاتوري، وعادت الدماء الى الشوارع والمخاطر الى الحياة اليومية.

ولم ينتهِ الرعب والتخبط الا باعدام اكبر رجال الثورة نفسه على يد زملائه.

رويداً رويداً، اخذت الامور منحنى الاستقرار. ورغم القلاقل والنمو البطئ والسقطات والنهضات والانتكاسات والنشوات ومحاربات الدول المعادية، بقت تلك الثورة طول الطريق رمزاً للحرية في محيطها، ونفخت في جيرانها انفاس الثورة من اجل الحرية والمساواة والكرامة... وبعد مشوار طويل مضني، جاوز الخمسين سنة، بدأت الديموقراطية تتبلور حقيقة في البلد – ووصلت الثورة الى تمام نضجها بعد عشرات السنين ومئات المناضلين وآلاف الضحايا وملايين الخبرات المكتسبة.

وترسخت تلك الثورة في تاريخ عصرها كرمز وقدوة للحرية – رغم الطريق الذي اسقطت وعورة بدايته الصرعى والمصابين وكلفت اكوام الخسائر المادية والمعنوية، والذي بدا في فاتحته انه مبتدأ درب الهاوية.

--------------------------------------------------

قد يبدو السيناريو المعروض اعلاه، على احسن تقدير، وصفاً لما عايشناه حتى الآن من احداث الثورة و"بهدلة" الفترة الحالية مع تصور براجماتي لمستقبلنا القريب وأمل طَموح في مستقبل بعيد مشرق؛ العجيب أن ما سبق هو وصف موجز لأحداث الثورة الفرنسية اواخر القرن الـ 18 وبدايات الـ 19، عن المصادر التالية
  • David A. Fisher, Ph.D., World History for Christian Schools, 2nd edition, © 1994 Bob Jones University Press
  • http://en.wikipedia.org/wiki/Reign_of_terror
هي رسالة من خبرات مَن سبقوا، بدت لي بارقة الأمل الوحيدة الباقية وسط الدماء والنيران والادخنة التي تغمرنا -  فقد مر السابقون بما هو في مأساوية وضعنا الراهن... ربما، ربما، نجد في تاريخ صراعهم ونجاحهم بعد حين ما يسند ما تبقى من ذلك الحلم الجميل، ثورة 25 يناير! 





وكأن الزمن لم يمضِ بنا الى الامام انما دار دائرة كاملة وعاد بنا الي حيث كنا منذ عام

Saturday, December 10, 2011

انشرها على صفحات ومواقع التيارات السياسية الدينية: ما هي العلمانية؟

العلمانية، باختصار ووضوح، هي الاقتناع بأن الحكومات وكيانات أخرى متعلقة بها يجب أن تنأى بنفسها عن الأديان والمعتقدات الدينية. أي أن العلمانية هي الشكل الممنهج لفصل الدين عن الدولة. (وللعلم بالشئ، فإن فكرة العلمانية قديمة ولها بداياتها في فكر ابن رشد، الذي نادى بتحرير الفلسفة من قيود الدين).



استحدث  George Holyoake  لفظة   Secularism  عام 1851. وقد واجه حينها حرباً شرسة ممن لم يفهموه من المسيحيين، فكان رده عليهم، والذي يصلح لوقتنا الحالي:


ليست العلمانية فكرة ضد المسيحية، بل هي مستقلة عنها. العلمانية لا تشكك في اطروحات المسيحية، بل تطرح غيرها. العلمانية لا تنفي عن غيرها من التوجهات أنها مصدر للصواب، بل تقول أنها (العلمانية) فيها صواب أيضاً. العلمانية فكر متعلق بالحياة الدنيا، مبني على مصالح الحياة الدنيا، ويمكن اختباره وتحليله من واقع خبرات الحياة الدنيا.


فالعلمانية إذاً، على اطلاقها، فلسفة سياسية في المقام الأول، وخطأ فادح تصنيفها جنباً إلى جنب مع اللادينية والإلحاد! فبينما ينكر الإلحاد وجود الله، تتجنب العلمانية الاحتكاك بالدين سواء بالسلب أو الإيجاب.


ولأجل الدقة المنهجية، يتوجب علي في هذا السياق ذكر اتجاه من اتجاهات العلمانية انتهج معاداة الدين، بدأه  Charles Bradlaugh  والذي كان زميلاً لـ  George Holyoake ، لكنهما اختلفا في تلك النقطة تحديداً (موقف العلمانية من الدين سلبي أم هجومي؟) - واخالني في غنى عن توضيح أن العلمانية التي انتهجها وانادي بها هي علمانية  Holyoake  التي تكتفي بفصل الدين عن الدولة، وترك لكلٍ مجال اختصاصه ونطاق عمله. هي علمانية لا تحتك بالدين إلا حين يبادر الدين - أو بالأحرى المتحدثون باسمه - بالتحرش بها.



اكرر - العلمانية ليست اتجاهاً مضاداً للدين، إنما هي نطاق منفصل تماماً عن الدين غير معني به. ليس العلمانيون ملحدين إنما هم ليبراليون. هم، كما قال المفكر الاسلامي سليم العوا (جريدة الشروق 7 ابريل 2011) أقوام مؤمنون لكنهم يرفضون أن يحكمهم رجال الدين؛ ورجل الدين، كما اراه، هو كل من خرج يوماً منادياً بفكر، مرغباً فيه بثواب أو مرهباً منه بعقاب الهيين.
العلمانية التي انتهجها لا ترفض الدين، إنما ترفض أن يتميز اتباع دين ما على غيرهم من اتباع ديانات اخرى  أو ممن لا يعتنقون ديناً - إذ أن ذلك التمييز ينطوي بالضرورة على انتقاص من حقوق جماعة لحساب اخرى.
العلمانية التي انتهجها جزء لا يتجزأ من الديمقراطية التامة التي نسعى إلى ضخها في شرايين حياتنا السياسية - فالعلمانية تتعامل مع المواطن بصفته كفرد لا كعضو في مجموعة، وبذلك تحرر قراره ورأيه السياسيين من أي ضغط أو تخويف ديني خارجي. العلمانية تعلي من شأن الفرد في مقابل ضغط الجماعة، والضمير الفردي في مقابل التوجيه الجمعي.

العلمانية التي انتهجها ترفض تماماً وتقضي على تحدث رجال الدين في السياسة بصفتهم كرجال دين، وتنهي اللبس وسوء التفاهم الناجمين عن اختلاط الأمر ما بين "الرأي الشخصي" و"الإفتاء الديني الرسمي".


المواطن العلماني ولاؤه الأول لوطنه، لا مرشده او مفتيه او اميره او بطريركه، دون اعتراف رسمي بهوية دينية أو عرقية، ودون انكار أيضاً لأي هوية دينية أو عرقية! وبذلك تنجينا العلمانية من مستنقع "حقوق الأقليات"، فلا نوضع في مأزق منح الامتيازات أو الاستثناءات التشريعية لفئة دون الأخرى - فالدولة العلمانية لن تراني إلا كمواطن مصري.



العلمانية التي انتهجها تسمح لكل مواطن أن يعتنق هذا الدين أو ذاك، أو التحول من هذا لذاك، أو انكار ذلكم كلهم - لسبب بسيط وهو أنها غير معنية بمسألة الأديان هذه برمتها! العلمانية لا تقدم ديناً معيناً على أنه الأفضل أو الأسمى أو الأكمل، إنما تفتح المجال للأديان كلها فتنساب متهادية أمامي، ويكون الفيصل في اختياري ضميري وقلبي لا سيف القانون أو ضغط المجتمع.


العلمانية التي انتهجها تتيح لي شرح رؤيتي في اعتناق هذا الدين ورفضي لذلك، بنقد موضوعي علمي، يقف القانون المحايد عليه رقيباً يضمن عدم التجريح في الغير أو الازدراء به.

في العلمانية التي انتهجها، اصون حقي في أن اكون مسيحياً بأن اكفل لك حقك في أن تكون يهودياً أو مسلماً أو حتى ملحداً.



العلمانية التي انتهجها لا تنحصر في نظرة واحدة للكون ووضع الإنسان فيه، إنما تسمح لكل الأفكار والنظريات والمعتقدات بالتواجد جنباً إلى جنب - فيكون البقاء للأصلح، وتكون اسبقية وأولوية هذا الدين أو ذاك لا مفروضة بقانون، إنما مكتسبة عن جدارة واستحقاق.



العلمانية التي انتهجها تخلق مجتمعاً تعددياً، في ظل احترام حرية الفرد والمساواة العمياء بين جميع المواطنين.


وليس ما سبق هذا وصفاً تجميلياً مرسلاً اتغزل به في العلمانية بعبارات والفاظ مزركشة، إنما هو تعريف وتوصيف حقيقيان. ليس ما سبق انفعالاً عاطفياً بالعلمانية، إنما مبادئ حقيقية ننادي ونؤمن بها وفي العديد من الدول نطبقها نحن العلمانيين.


إذاً، إجمالاً، تتسم الدولة العلمانية عامةً بالآتي:
  
  • الحرية الدينية المطلقة - فيسمح لأي مواطن باعتناق هذا الدين أو ذاك، أو التحول عن هذا الدين إلى ذاك، أو الامتناع عن اعتناق أي دين
  • عدم وجود "دين رسمي" للدولة ككيان سياسي
  • عدم تخصيص أي جزء من موارد الدولة لأي كيانات دينية
  • تحرير تشريعات الدولة من السيطرة الدينية
  • السماح لأي كيان سياسي بالوصول إلى السلطة بغض النظر عن هويته الدينية
  • الحياد التام في المسائل الدينية - فلا الدولة تؤيد ولا تعارض الدين