للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Saturday, March 31, 2012

أبو إسماعيل، أسمعت عن المواطنة؟

لم تعد غرائب الكثيرين من رموز تيار الإسلام السياسي تفاجئني، فقد تيقنت من أنهم يدورون في نطاق ضيق محدد لا يخرجون عنه، وباتت أغلب آرائهم وتصرفاتهم متوقعة إن لم تكن معروفة مسبقاً.
لكنني اتعجب من الناس الذين يصدقون أولئك الرجال، ولا يراجعونهم فيما يقولون! بل يبررون جهلهم وقلة معرفتهم ودرايتهم، مستسلمين للخطاب العاطفي السطحي الذي يدغدغ به أولئك الرجال مشاعر العامة.
ومن ذلك الفيديو التالي للمرشح الرئاسي حازم صلاح أبو إسماعيل:



بدأ المرشح اقواله بورطة وهمية يريد اسقاط دلالاتها على الواقع المصري، فعرض قضية جنود أمريكيين مسلمين وجدوا حرجاً في آداء مهامهم العسكرية في قتال مسلمي العراق وافعانستان وغيرهما تحت امرة الجيش الأمريكي. كالمعتاد، يجهل المرشح الفاضل أن نظام الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي هو بالتطوع recruitment، حيث أن نظام التجنيد الإجباري conscription ملغي من الولايات المتحدة منذ عام 1973 (راجع هنا) (وإن كان هناك نظام الخدمة الانتقائية والذي يسجل جميع الذكور الأمريكيين البالغين، في حال احتاجت الدولة لأي تعبئة إجبارية؛ راجع هنا). إذاً فالجندي الأمريكي يختار التجنيد والانخراط في السلك العسكري بكامل ارادته، ويختار موقفه كمقاتل تحت لواء العم سام بل ويسعى إليه بنفسه. ولكنها وسيلة رخيصة من المتكلم لاستثارة والبناء على  عواطف مستمعيه ممن لا يعرفون حقيقة هذه القضية... و لِمَ لا؟ فلا أحد يعرف حقيقة الأمر، ولن يكلف أحد نفسه عناء التفتيش وراء أقوال الآخر!


هذا من حيث الدقة المعلوماتية. أما من حيث المفاهيم، فالمرشح حازم أبو إسماعيل يقدم فكرةً تعاكس مفهوم المواطنة الحديثة تماماً!


تُعَرِّف الموسوعة البريطانية المختصرة طبعة 2002 (Britannica Concise Encyclopedia) المواطنة citizenship بأنها "علاقة بين الفرد والدولة، لها عليه بمقتضاها الولاء وله عليها بمقتضاها حق الحماية. وتصاحب المواطنة، عموماً، الحقوق السياسية كاملة، بما فيها حق الانتخاب وتولي المناصب العامة. اما واجبات المواطن، عموماً، بمقتضى تلك العلاقة فهي الولاء، وسداد الضرائب، وتلبية نداء الخدمة العسكرية".


إذاً فواجب حمل السلاح حينما يدعو الوطن مثله مثل الولاء والإخلاص له، ومثله مثل دفع الضرائب. لا مجال للـ "اختيار" فيه، أو "إذا حبيت"، كما يقترح أبو إسماعيل. الخدمة العسكرية – خصوصاً في بلاد مثل بلادنا والتي تجعل أداءها إلزامياً – شرط أصيل من العقد المبرم بيني وبين الدولة لحظة حملت جنسيتها.


فإن أخذنا بمنطق أبي إسماعيل، ألا وهو الاعتذار عن أداء أحد شروط المواطنة مقابل دفع الجزية، أسأله: إذن هل يمكن أن اختار عدم الولاء لوطني – وهو من شروط المواطنة كالخدمة العسكرية تماماً – بالتجسس عليه مثلاً، مقابل دفع مبلغ من المال للدولة يعفيني من حفظ ذلك الشرط؟ طبعاً افتراض هزلي لا وزن له! وبه أكشف القيمة الحقيقية لحديث أبي إسماعيل المعسول.


أستاذ حازم، الحرب الدينية التي تفترضها أنت وأمثالك، ولأجل احتماليتها تقترح الجزية "رفعاً للحرج عن مسيحيي مصر" قد انتهت من الوعي الإنساني المعاصر، ولا يُنظَر إلى المحاربين باسم الدين – أي دين – في يومنا هذا إلا على أنهم إرهابيون، يبغون فرض الرأي والفكرة بالدانة والبارود. وهم كبير رسمه العرب لأنفسهم ونميته أنت وزملاؤك أن امريكا غزت العراق "المسلم"! عزت امريكا العراق الغني بالبترول! وهم كبير أن فرنسا تمنع الحجاب المسلم! منعت فرنسا الرموز الدينية كلها، مساوية في ذلك بين الصليب المسيحي والحجاب المسلم واليورمولكي اليهودي! وهكذا وهكذا، تريدون اقناع الناس أن اقطاب العالم الآن هي الشرق المسلم مقابل الغرب عدو الاسلام، فيُمَلِّك الشعب على نفسه رجال الإسلام ليقودوا الجهاد ضد اعدائه!


لا عجب إذاً حين نسمع من أقرانك في التيارات السياسية الإسلامية القول بأن المسلم الإندونيسي أو الماليزي أقرب للمسلم المصري من المصري المسيحي!


اسألك سؤالاً – أنت وتيارك – ناقش جوابه مع نفسك: هل يمكن للمواطنة والانتماء العقيدي أن يتعارضا؟


أما بالنسبة لي، فجوابه محسوم. أنا مواطن مصري علماني. والمواطن العلماني ولاؤه الأول لوطنه، لا مرشده أو مفتيه أو اميره أو بطريركه، دون احتياج لاعتراف رسمي بهوية دينية أو عرقية، ودون انكار ايضاً لأي هوية دينية أو عرقية! فالدولة العلمانية لن تراني إلا كمواطن مصري. العلمانية تتعامل مع المواطن بصفته كفرد لا كعضو في مجموعة، وبذلك تحرر قراره ورأيه السياسيين من أي ضغط أو تخويف ديني خارجي. العلمانية تعلي من شأن الفرد في مقابل ضغط الجماعة، والضمير الفردي في مقابل التوجيه الجمعي.


العلمانية هي الحل، بالانتقال من دولة المتدينين إلى دولة المواطنين!




دراويش الميدان

لم يكن تغلب بعد على الخوف ، يسمع صدى الصوت يتردد فى الشوارع الجانبية للميدان "إذا أردت أن تكن من اهل الميدان فأذهب إلى مسجد (عمر مكرم) أولاً".



يذهب إلى المسجد كمن سبقوه ليلقنه الشيخ ترنيمة الثورة ويعطيه جلبابًا ناصع البياض وعباءة سوداء وقبعة بنية عالية، ثم يطلب منه أن يذهب إلى كنيسة (قصر الدوبارة) لكي يُلبسه القس ملابسه الجديدة ويُعلمه حركات الدوران .


يعود إلى الميدان مع آلاف يرتدون مثله، يشعر بدقات قلبه حين يسمع أصوات الرصاص وقنابل الغاز .



يحذره الجميع من الجري حتي لا يتعثر وتتسخ ثيابه، الأبيض لايجب أن تطوله الشوائب، فقط يسير بهدوء فى الصف مع الثوار الجُدد حتى يصل إلى ( صينية ) الميدان لتبدأ المراسم بالإلتفاف حول جسد شهيد مُكفن بعلم مُخَضَب بالدم .



يخلع عبائته السوداء فيشعر برعشة خفيفة تسري في جسده، يرفع يده اليمنى نحو السماء فيحس بالراحة، يضع يده اليسرى نحو الأرض فيشّم رائحة البارود والتراب المختلط بالدم.



يبدأ الدوران عكس عقارب الساعة ببطء حتى يرتفع فوق الأعناق داخل صندوق خشبي يحمله أبوه وأصدقائه،


يسمع
صراخ أمه


وزغاريد جدته


ويلمح خلف جنازته البنت التي أحب


تدمع دون صوت...


يزيد من سرعة الدوران لينفتح أسفل جلبابه أكثر فيرتفع عاليًا فوق سُحب الغاز المسيل للدموع والرصاص


ليفقد عينًا فى (محمد محمود)


وتخترق رصاصة صدره في (القصر العيني)


لم يشعر بالألم


فقط الراحة.



يدور بسرعة أكبر عكس عقارب الساعة حتى يرتفع فوق بنايات (التحرير) التى تضائلت فلم يعد يراها .



يرتفع أكثر إلى أن يصل السحاب ليدخل الرحم الذي كُتب عليه أسمه، يسبح فى الماء والدم معلقًا بحبل سُري كي يتمكن من التنفس، يسمع أصواتهم خارجًا، ترنيمة الثورة وصوت الرصاص والهتاف .



يقرأ ما كُتب فوق حبله السُري "إذا ما أردت الحياة فأقبل القيد، حين تولد لابد أن تبكي حريتك كي تتنفس ".



يزيد من دورانه فيرتفع أكثر ويطمس ما كُتب فوق الحبل السُري ثم يقطعه و يندفع خارج الرحم .



يولد في الميدان


يضحك


يتنفس
 


لا يشعر بالخوف!





Thursday, March 29, 2012

بهدوء: مغالطات حول العلمانية

(هذه التدوينة منقولة من على صفحات فيسبوك، كاتبها مجهول الهوية – له\لها منا كل الشكر والتقدير)

العلمانية: إنها الحل
نعم العلمانية هي الحل، ولكن ليس في مواجهة شعار "الإسلام هو الحل". فالعلمانية ليست موازية للإسلام أو معاكسة له. فهما من جنسين مختلفين. الأول دين بينما الثانية تنظيم مدني.

ولهذا يصدق القول بأن الإنسان يمكنه أن يكون متدينا وعلمانيا في الوقت نفسه. كما أن ليس كل علماني هو ضد الدين، أو كل متدين هو ضد العلمانية.
وحين نقول بأن العلمانية هي الحل، فنحن نقصد أنها حل للصراعات الدينية والطائفية في منطقتنا، ووقف للهدر في الطاقات والإمكانيات ووقت البشر الضائعة نتيجة المشاحنات والنزاعات ذات الطابع الديني.

لكن قبل الاسترسال في الحديث، من الإنصاف أن نجيب على السؤال التالي: أي علمانية نقصد؟

هل هي تلك التي يقدمها بعض رموز الإسلام السياسي، ويصرون فيها على أنها تعني فصل الدين والشؤون الدينية عن الحياة؟ أي إقصاء الدين عن حياة الناس؟

المؤسف أن الغبار الكثيف الذي أثاره ويثيره الإسلاميون (وليس المسلمين) حول العلمانية منذ عقود، تمكن من حجب أهم معانيها وطبيعتها لدى العامة.

عامة الناس اصبحوا، نتيجة حملات التزييف والتضليل، يرددون أن العلمانية هي فصل الدين عن الحياة.

العلمانية التي نقصدها والتي يفهمها معظم سكان العالم هي فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية (وليس الدين عن السياسة)، والفصل بين رجل الدين ورجل السياسة، والعكس صحيح ايضا: إبعاد المؤسسة السياسية عن التأثير في المؤسسة الدينية، وابعاد رجل السياسة عن فرض ميوله الدينية.

هذا هو التعريف الذي نصادفه في جميع المراجع الأجنبية تقريباً. أما المراجع العربية فيندر فيها ذلك.

من الطريف أنني لدى بحثي عن معنى العلمانية وجدت في موقع موسوعة الويكيبيديا على الانترنيت، أن تعريف العلمانية مختلف في اللغة العربية عنه في الانجليزية تماما.

في التعريف العربي نقرأ: "تأتي كلمة "علمانية" من الكلمة الإنجليزية
Secularism وتعني إقصاء الدين والمعتقدات الدينية عن أمور الحياة. ينطبق نفس المفهوم على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر بصورة مادية بحتة بعيداً عن تدخل الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته".

أما في التعريف الانجليزي (الترجمة من عندنا) فنقرأ: العلمانية (
Secularism) في الاستخدام الحديث يمكن تعريفها إجمالا بطريقتين: الأولى، التأكيد على حرية التدين، وعدم فرض الحكومة لدين معين على الناس، وأن تكون الدولة محايدة في شؤون الاعتقاد، ولا تمنح امتيازات حكومية أو إعانات لأتباع الأديان.

والثانية، تشير الى الاعتقاد بأن نشاطات الإنسان وقرارته، لا سيما السياسية منها، ينبغي أن تستند على الأدلة والحقائق، وليس التأثيرات الدينية.

وما يبدو واضحا من المعنيين، هو أن النص الأول يقول إن العلمانية هي إقصاء الدين عن أمور الحياة، وبالتالي فالعلمانية هي ضد الدين وعامل نفي له.

بينما التعريف الثاني يشدد على حياد الدولة في شؤون الدين، وإبعاد الدين عن المجال السياسي.

طبعا بما أن الويكيبيديا هي موسوعة مفتوحة على الانترنت ويستطيع أي شخص أن يضيف أو يعدل فيها، فلا استبعد أن ممثلي الاسلام السياسي، ادخلوا مفهومهم للعلمانية هنا أيضا، كما فعلوا في المؤلفات والنصوص الأخرى بالعربية.

بينما لم يتمكنوا من ذلك في النسخة الانجليزية ربما لعدم اهتمامهم بالأمر، أو ربما بسبب معرفتهم باستحالة تضليل قراء يعرفون ويمارسون العلمانية في شؤون حياتهم.

هذا على مستوى المصطلح، أما على مستوى الواقع العملي، فنجد أيضا أن ممارسة العلمانية تعني خلاف ما يقوله منظرو الإسلام السياسي.

وسواء في أوروبا أو أمريكا فإن العلمانية لم تعن في أي وقت إقصاء الدين عن الحياة. بدليل وجود المؤسسات الدينية من كنائس ومساجد ومعابد يهودية وبوذية وهندوسية... الخ. وبدليل ممارسة أتباع هذه الاديان طقوسهم بحرية تامة، وفي ظل حماية الدولة.

بل أنه في بلد مثل أمريكا يجري على الدوام التذكير وإحياء المناسبات الدينية لمعظم الأديان. ويشجع المسؤولون الرسميون سواء على المستوى الفيدرالي أو المحلي الناس على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم ذات المنشأ الديني.

كما يقوم المسؤولون بزيارة دور العبادة، والاجتماع مع ممثليها، في لفتات رمزية للترحيب والاحترام.

وفي المناسبات الوطنية الكبيرة يُدعَى ممثلو الأديان الرئيسية إلى الحضور وإلقاء كلمات.

وحتى في بلد يوصف بالتشدد في تطبيقه للعلمانية مثل فرنسا، لا يوجد أي إقصاء للدين عن الحياة أو شؤون الحياة.

فهناك أيضا يمارس الناس من مختلف الأديان، بمن فيهم المسلمون، عباداتهم وشؤون دينهم بحرية، وهم منظمون على المستوى المحلي، ولهم جمعياتهم ومؤسساتهم الدينية.

لكن بالطبع في جميع هذه البلدان لا يسمح أيضا بتداخل الديني والسياسي، كما لا يسمح بفرض أي دين أو معتقدات دينية على الآخرين، كما يحظر على الدولة والحكومة أن تحابي ديناً معيناً حتى ولو كان معتنقوه يشكلون الأغلبية في هذا البلد، أو تميز ضد دين آخر حتى وإن كان عدد أتباعه لا يزيد على عدد اصابع اليد الواحدة.

والملاحظ أيضا هو ان التدين لا يقل أو يضعف حيث تُطَبَّق العلمانية، كما أنه لم يثبت أن زاد التدين في البلدان التي لا تطبق العلمانية.

أما المتضررون من العلمانية فهم ليسوا عامة الناس، وإنما هم رجال الدين والمؤسسات الدينية. فهؤلاء اعتادوا على مر التاريخ أن تكون لهم سلطة وامتيازات في مواجهة العامة، يستمدونها من موقعهم الديني.

في ظل العلمانية يعود رجل الدين إلى دوره وحجمه الطبيعيين، وهو التخصص في شؤون العقيدة وتكون ساحته هي المؤسسة الدينية، ويكون الإنسان ـ المواطن، حر في أن يذهب إلى هذه المؤسسة أو لا يذهب، يأخذ برأي رجل الدين أو لا يأخذ.

وليس للدولة أن تعاقبه أو تحد من حريته لهذا السبب، كما أنه ليس لها أن تكافئه على هذا السلوك. فالدولة محايدة تجاه شؤون العقيدة والاعتقاد.

وقصارى القول إن العلمانية في حقيقتها ليست موجهة ضد الدين، فهي ليست دينا آخر، ولكنها وسيلة لتنظيم العلاقة بين السياسي والديني.

وقد أصبح وجودها ضرورة بعد نشوء الدولة الحديثة، التي باتت تتكون من جمهور المواطنين، بديلا عن جماعة المؤمنين، كما في الدولة القديمة.

ولأن الأساس في المواطنة هو انتماء المواطن الى الدولة والخضوع لقوانينها، في مقابل حمايتها له، على عكس الدولة القديمة (ما قبل الحديثة) التي كانت تقوم على الانتماء الديني، فإن فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، يهدف في الأساس إلى حماية فكرة المواطنة وترسيخها. أي حماية أحد ابرز الأسس للدولة الحديثة.

ولما كان الأمر كذلك، فإن العلمانية تصبح شرطاً لا بد منه للانتقال من دولة الأديان إلى دولة الأوطان، ومن دولة المتدينين إلى دولة المواطنين، ولذلك قلنا إنها الحل.


Friday, March 16, 2012

اسلامي وعلماني حول مشروع قانون حد الحرابة – الجزء الثاني

الجزء الأول (هنا)
7- العلمانيه لا تبحث عن المساحات المشتركه بل تجبرنى على تنحيه دينى جانبا
بل العلمانية تطالبك بأن تلتزم بدينك كيفما شئت شريطة الا يؤثر التزامك ذلك سلباً على حريات غيرك من مواطنيك. العلمانية ليست قضية رفض تعاليم الدين او ازدراء التزاماته، كما يحلو للبعض تصويرها، انما هي بكل بساطة وتجريد، المطالبة بأن يكون لكل فرد حريته الدينية او حقه في الالتزام بعقيدته، لكن دون التدخل في شأن غيره من الافراد، وعدم التمييز بين مواطن وآخر على اسس دينية!


8- الاعلان العالمى لحقوق الانسان مش من عند ربنا، فمش كل حاجه يقولها تبقى هى الفيصل فى التفريق بين ما هو يوافق حقوق الانسان أو يخالفها
مرة اخرى عودة الى نقطة "من عند ربنا"... عزيزي ما تراه انت "من عند ربنا" قد لا يعتبره كذلك غيرك ممن لا يعتنقون دينك، والعكس صحيح. فتجنباً للصدامات الناتجة عن اختلاف البشر على ما يرونه "من عند ربنا"، وضعت الانسانية الحديثة الاعلان العالمي لحقوق الانسان (وغيرها من القوانين الوضعية) كمساحة مشتركة اتفق عليها الجميع مهما كانت توجاهتهم الدينية!
عزيزي ان كانت اعلانات الامم المتحدة غير ملزمة لأنها ليست كلام ربنا، اذاً على أي اساس تدعي ان الاقليات المسلمة مضطهدة في دول الغرب؟ بمنطقك، اعتراض المسلمين على منع الحجاب في المصالح الحكومية، او على منع وضع مكبرات الصوت اعلى المساجد، او على منع الموظفين المسلمين من الانصراف عن اعمالهم في مواقيت الصلاة، هو خروج للمسلمين – الأقلية – على آراء ارتضتها الأغلبية. اعلانات الامم المتحدة هي التي تسمح للأقلية المسلمة ان تقاضي الحكومات الغربية مطالبة بارتداء النقاب و... و... وتكسب تلك القضايا في مجتمعات اتفقت اغبليتها على عكس ذلك. صديقي، حقوق الانسان الغربية، التي هي "مش من عند ربنا"، هي التي تسمح لمنظمة مثل مجلس العلاقات الأمريكية الاسلامية    Council for American-Islamic Relations (CAIR) بالعمل بمنتهى الحرية على الأراضي الامريكية، رغم ان الشبهات تحوم حولها، وفق رؤية الإف بي آي، لاتصالها بحماس والاخوان المسلمين، وهى منظمات ارهابية او معاونة للارهاب وفق التصور الامريكي، الى جانب شبهات التمويل الاجنبي من دول المعادية لامريكا. ورغم كل هذه الشبهات والشكوك، فبسبب التزام الحكومة الامريكية بمواثيق حقوق الانسان التي هي "مش من عند ربنا"، تعمل المنظمة بمنتهى الحرية.
لماذا سعت الحكومة الفلسطينية للاعتراف بدولتها من اليونسكو التابعة من الامم المتحدة، تلك الهيئة التي كلامها "مش من عند ربنا"؟ الا يكفي اعتراف الدول الاسلامية التي لديها "كلام ربنا"؟ لماذا يستغيث المسلمون في كل مكان بالمجتمع الدولي، الذي مقاييسه وضوابطه هي مواثيق الامم المتحدة (مش من عند ربنا)، حين تسيل الدماء في ليبيا وسوريا او يموت الناس جوعاً في الصومال؟! الا يكفي تضامن الدول الاسلامية، التي تعرف ما هو "من عند ربنا"؟


9-وقد يرفض النائب وكتلته الالتزام بمادئ كفار الغرب، فنسأله اذاً: بعد تنفيذ احكام قطع الأيدي والأرجل والصلب، ما فائدة النقد والاستئناف؟ وماذا لو ظهرت براءة المتهم بعد تنفيذ احكام البتر؟ هل يجب حينئذ على من اتهمه زوراً التبرع بطرفه ليزرع في جسد المظلوم؟ وهل يطبق الحد على المسلمين فقط، فيكون تمييزاً فجاً بين ابناء الوطن الواحد؟ هل تقام الحدود على غير المسلمين ايضاً، فيكون هذا فرضاً لشريعة دينية غير شريعتهم عليهم؟

أ- مين قال انه ميبقاش فيه طعن و استئناف قبل الحكم ؟
عذراً صديقي، لكن هذا جهل بأبسط مبادئ القانون... الطعن على الحكم لا يكون الا بعد صدوره!!!

ب- طيب أحب أسئل حضرتك و أغلب ظنى أنك مسيحى ماذا يقول دينك فى تلك القضيه ؟ أرجو الاجابه دون تهرب
(انظر المقدمة)


10 - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 18. لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
"وإذا كانت الجريمة مجرد إلقاء الرعب على الآمنين يتم حبس الجانى حتى تظهر توبته. وتنص المادة الأخيرة من المشروع على سقوط حد الحرابة فى حق من يعلن توبته من الجناة."

ايه علاقه ده بحد الحرابه ؟
نفس الرد على اعتراضك رقم (3). اوردت المادة 18 تفصيلاً للحريات الدينية، والتي تنتهكها فرض تشريع اسلامي على غير المسلمين.


11- خلاف قضية "شريعة الله" التي ناقشناها في أول المقال، يدَّعي النائب أن المصريين اختاروا الاسلاميين رغبة في تطبيق الشريعة! لا اعلم أي مصريين يتكلم عنهم النائب! انزل الى الشارع واسأل المارة: ماذا تريدون من البرلمان؟ اجزم ان ردودهم ستدور حول انابيب البوتاجاز وطوابير العيش والبطالة والثانوية العامة وزحام المواصلات وقمامة الشوارع – واجزم ان احداً لن يذكر الشريعة!

يبقى نشوف الناس عايزه ايه ، بس لو قالوا تطبيق الشريعه هتعمل ايه و قتها ؟ عشان هنا حضرتك محسسنى ان المعيار عندك هو الناس
طبعاً المعيار هو الناس! فاذا وافقت الاغلبية على تطبيق الشريعة بحدودها، فهو كذلك. لكن هل ستسمح لي الشريعة وقتها بالاعتراض عليها، مثل أي نظام سياسي صحي فيه الاغلبية وفيه المعارضة التي تنتقد سياسات الأغلبية وتقدم البدائل؟ هل ستُعامَل الشريعة حينذاك معاملة القوانين المدنية، من حيث التسليم بنسبيتها وإمكانية تطويرها أو تبديلها أو مناقشتها أو الاستغناء عنها إن لزم الأمر، مع وجود آليات للطعن أو الاعتراض أو إلخ – أم أنني سأجد من يرفع في وجهي، من جديد، "هذا شرع الله"، ويجعل معارضتي للحاكم باسم الشريعة كفراً، واخالني في غنى عن ذكر عقوبة الكفر في أي نظام حكم ديني؟


12-اشك ان النائب توقع أن يوجد بين صفوف الشعب انسان "فاضي" يفتش وراء دقة معلوماته. فمثلاً، طبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة عام 2002، جاءت السعودية في المركز 48 من 82 دولة هي الأعلى في معدلات الجريمة. والحق يقال انه سجل جيد، حين نأخذ في الاعتبار أن الدول ذات معدلات الجريمة الأعلى في تلك السنة هي (تنازلياً) الولايات المتحدة الامريكية ثم المملكة المتحدة ثم المانيا ثم فرنسا!
لكن فات النائب ان الجريمة في آيسلاند مثلاً اقل من السعودية (المركز 52). أليس من الافضل اذاً ان نطبق القانون الجنائي الآيسلاندي؟ هل يعلم النائب ان نسبة جرائم القتل في آيسلاند عام 2010 وصلت الى 0.31% (أي عدد القتلى من كل 100،000 نسمة) مقارنة بـ 1.04% في السعودية (هنا)؟ وهذا مع أن حكومة آيسلاند لا "تردع" مواطنيها بالعقوبات الوحشية التي يدعي النائب أنها الحل – فقد الغت آيسلاند عقوبة الاعدام كليةً عام 1928م، واضاقت مادة في قانونها عام 1995م تمنع أي محاولات لاعادة عقوبة الاعدام

- المشكله أن حضرتك مفترض أن السعوديه بتطبق الشريعه . السعوديه مبتطبقش الشريعه ، بتطبق الحدود و مش كلها كمان . احنا عايزين تطبيق الشريعه اللى بتفرض العدل و توفير البيئه المناسبه الأول ثم بعد ذلك يأتى تطبيق الحدود .
الحقيقة ان واقع الموقف يناقض قولك! مشروع القانون هو، بكل وضوح، مشروع تطبيق حد من الحدود. تقدم النائب – وايدته في ذلك الاغلبية البرلمانية –  صراحة بمشروع تطبيق حد الحرابة قانوناً. اسأل سؤالاً بناءاً على اعتراضك، واترك الرد لك وللقراء الكرام: هل معنى تقديم مشروع قانون حد الحرابة أنه قد تم الآن " تطبيق الشريعه اللى بتفرض فرض العدل وتوفير البيئة المناسبة أولاً"، ومن ثَم فقد آن أوان تطبيق الحدود؟
ومَن ذَكَر السعودية مثالاً هو النائب (ارجو الرجوع الى نص الخبر الذي اوردته في مقالتي السابقة)، مدللاً على فوائد حد الحرابة بانخفاض نسبة الجريمة في السعودية. اذاً فمن الواضح ان النائب – بل الاغلبية البرلمانية التي ايدت مشروع القانون – تصدق على النموذج الذي تطبقه السعودية. سَمِّه شريعة، سَمِّه "مبتطبقش الشريعه، بتطبق الحدود و مش كلها كمان" او سَمِّه ما شئت، الخلاصة ان هذا هو النموذج الذي يحتذيه النائب وانصاره!
لذا، استخدمت مع النائب نفس منطقه؛ فإن كانت حجته في تطبيق حد الحرابة انخفاض معدلات الجريمة في السعودية، فحجتي بنفس المنطق هي انخفاض معدلات الجريمة في آيسلاند الى ما هو اقل من السعودية، دون احتياج الى "عقوبة رادعة" (كما قال النائب) مثل حد الحرابة – بل وتتفق آيسلاند مع مواثيق الأمم المتحدة، التي اعترضت انت عليها قبلاً. ورغم هذا وذاك، فمعدلات الجريمة في آيسلاند اقل بكثير من السعودية!

(تمَّ)


مناظرة حول مشروع قانون حد الحرابة - الجزء الأول

جاءني تعليق من الفاضل احمد الفقي على مقالي السابق "الهزل والدعابة: مشروع قانون حد الحرابة"  ، انشره هنا، كما قسمه الفاضل الى عدة نقاط، وبعد كل اعتراض تعليقي عليه. اشكر احمد على منحي من وقته ليقرأ مقالي، مذكراً بأن اختلاف الآراء والتوجهات هو سنة الحياة وضمان تطورها، مؤكداً على ان انتقادي لأفكار احمد لا ينال من احترامي لشخصه الكريم على الاطلاق.
فإلى نص النقاش.
بدايةً، بخصوص الاعتراضين (2) و (9ب)، فهي قضايا دينية لا تعنيني في شئ في هذا السياق السياسي، والرأي الديني فيهما لا قيمة له هنا. أنا علماني ارفض اقحام الرأي الديني في السياسة. فإن كنت مصراً على تحديد هويتي الدينية قبل مناقشتي سياسياً، فتعامل معي على أني لا ديني! نعم، أنا ارفض التقنين بناء على شريعة مسيحية تماماً كما ارفضه بناء على شريعة اسلامية.
1-  أولا حضرتك ناقدت نفسك. أولا ادعيت أن التيار الاسلامى عايز يفرض معتقده علينا . حضرتك برضه متحاولش تفرض العلمانيه على مجتمع أغلبه رافضها. هل أنت ضد ما تسميه دكتاتوريه الأغلبيه ومع دكتاتوريه الأقليه "العلمانيين" ده أولا.
عزيزي، انا ادعو لفكر وفكرة، لا افرضها!
مَن يفرض فكره هو مَن وصل الى سلطة بطريقة مريبة نعلمها كلنا جيداً، وعلى اساس تشويه متعمد لرموز الثورة الحقيقيين، ناشطي الـ18 يوم. فلم يعد خفياً تجاهل الاسلاميين لتجاوزات المجلس العسكري منذ تنحي مبارك، مقابل افساح المجلس الطريق امام التيارات الدينية بقصم ظهور الشباب الليبرالي، شباب الـ18 يوم، مثل نوارة نجم واسماء محفوظ وعلاء عبدالفتاح وغيرهم الكثير من الكيانات والشخصيات. أنا وغيري من العلمانيين نقدم فكراً، ونحذر من التيارات السياسية الدينية من واقع التاريخ وخبرات سابقينا من الشعوب. نحذر من رجال وصلوا الى البرلمان، وما ان تمكنوا، حتى انقلبوا على رموز الثورة، واصفين اياهم بالبلطجية ومتعاطي الترامادول تارة، وشاتمين البرادعي تارة، وعاجزين عن حسم أي مأزق نشأ منذ وصولهم الى الكرسي، مثل مذبحة بورسعيد او محاسبة الحكومة او... او... وها هم الآن يبدأون في محاولات فرض رؤيتهم الدينية على شعب تتباين توجهاته.
لا اؤيد ديكتاتورية الاقلية العلمانية، لكنني سأظل ادعو للعلمانية اكشف مساوئ الدولة الدينية، فهذه طبيعة السياسة: اغلبية تحكم حيناً، واقلية تعارض وتناور لتحقيق اغلبية، وهلم جرى.

2- ما معنى اعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله ؟
(انظر "بدايةً")


3- انتهاك حق الأقليه ، يكون بمنع الأقليه من ممارسه دينها أو اجبارها على مخالفته
او باجبارها قسراً على الالتزام بوصايا دين آخر غير دينها! فحد الحرابة تشريع اسلامي، لِمَ يُعَامَل على اساسه غير المسلمين؟ فما الفرق بين ذلك وبين، مثلاً، مصادرة جميع لحوم الخنزير من محال المسيحيين الذين يبيعونها؟

4- أى مجتمع فى الدنيا يسير وراء رأى الأغلبيه و مش ممكن هتلاقى 100% متفقين على حاجه ، يبقى نسيب الناس هى اللى تقرر و منفرض عليهم النظام العلمانى.



اوافقك الرأي تماماً أن أي مجتمع يتبع رأي الأغلبية.
 ولكن مع فارق كبير: هناك ضوابط قانونية اساسية تضمن الا يجور الالتزام برأي الأغلبية على أي حق من حقوق الأقلية! ومع وجود آليات تسمح لتلك الأقلية بالتعبير عن رأيها كامل التعبير، وبالعمل على تغيير الرأي العام لكسبه الى صفوفها، وهكذا في تماوج بين التيارات السياسية المختلفة. أما الآن فنحن بصدد تيار يعلن ان فرضه لشريعته الدينية انما هو فرض للحكم الالهي، اذاً فمن يعارضهم سيكون في نظرهم معارضاً لله ذاته – أي، سيكون كافراً. انظر ايضاً تعليقي على اعتراضك رقم (11).


5- مش هتكلم عن العالمانيه كتير و مين اللى أنشئها أصلا و لا ايه الظروف التاريخيه اللى أنشئت فيها عشان ده موضوع قتل بحثا


6- مش هتكلم برضه عن أكبر الدول العلمانيه و ما تعانيه الأقليات فى مثل تللك الدول

نقطتان لم تذكر فيهما شيئاً لاناقشه، لكنني في انتظار شرحك التفصيلي لرأيك في العلمانية كما وعدتني. والى ان توافيني به، هاك رأيي في العلمانية من خلال تقديم موثق لها: ما هي العلمانية؟ وايضاً عينة من نسيج عقل الليبرالي

  الجزء الثاني هنا.



Thursday, March 15, 2012

الهزل والدعابة: مشروع قانون حد الحرابة

هي احدث حلقات مسلسل الكوميديا السوداء التي نشهدها منذ "بزوغ فجر" تيار الاسلام السياسي. فبعد مونولوج "المؤذن تحت القبة"، ونكتة منع تدريس اللغة الانجليزية، خرج علينا هذا الجهبذ بأكبر خطر: مشروع قانون تنص عقوباته على قطع الأيدي والأرجل والصلب. هاكم نص الخبر من جريدة المصري اليوم، ثم اعلق على عدة نقاط فيه.





"وقدم «العزازى» مشروع القانون، قائلاً: «إنه شرع الله ولا خيار لنا فى تطبيق شرعه وحكمه، كما قال تعالى: (إن الحكم إلا لله)»."
هنا جوهر الاختلاف بين التيار العلماني والتيار الديني (أياً كان الدين). نحن العلمانيين لا ننكر على النائب المتحمس ايمانه بأن شريعة دينه هي شرع الله، ولكننا نرفض أن يفرض هو اعتقاده على مَن حوله. فكما يرى النائب أن شريعة دينه هي كلام الله، يرى آخرون من غير المسلمين أن شرائعهم هي كلام الله وهي الاولى بالاتباع. فبأي حق يفرض النائب وكتلته معتقدهم الديني على غيرهم؟ بحق الأغلبية؟ اذاً فلتتغير اسس دستورنا وقوانينا مع تغير الاغلبية كل دورة برلمانية! فكلٌ يرى عقيدته على حق، بينما غيرها من العقائد على ضلال، فإذا سمحنا لكل بفرض معتقده، دخلنا في دوامة ديكتاتورية الاغلبية، ومنها الى انتهاك حقوق الأقليات الدينية، لأن الحاكم باسم الدين سيضطر إن آجلاً او عاجلاً أن يحارب اعداء دينه؛ فكيف ينصر دينه، الحق الالهي كما يؤمن، وهو يسمح للناس برفضه ضمناً اذ هم باقون على عقائدهم المغايرة؟
العلمانية هي الحل. فالعلمانية تبحث عن المساحات المشتركة بين مختلف الاطياف ثم تقننها، اما نطاقات الاختلاف، تنحيها العلمانية جانباً، ولا تجعلها قانوناً ملزماً، منعاً لتصنيف المواطنين بناءاً على معتقداتهم الدينية.
"وتتنوع العقوبات فى مشروع قانون (حد الحرابة) بين الإعدام قتلاً، وقطع الأيدى والأرجل من خلاف أو القتل أو الصلب."
المادة 5. لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
فلا عجب حين نجد دولاً "اسلامية" (ليبيا والصومال والسودان وتركمانستان واوزباكستان والسعودية وسوريا) تشكل اكثر من ثلث انتهاكات حقوق الانسان على مستوى العالم في عام 2011 (طالع الاحصائية هنا. اترك دلالة المعلومة للقارئ النبيه.
وقد يرفض النائب وكتلته الالتزام بمادئ كفار الغرب، فنسأله اذاً: بعد تنفيذ احكام قطع الأيدي والأرجل والصلب، ما فائدة النقد والاستئناف؟ وماذا لو ظهرت براءة المتهم بعد تنفيذ احكام البتر؟ هل يجب حينئذ على من اتهمه زوراً التبرع بطرفه ليزرع في جسد المظلوم؟ وهل يطبق الحد على المسلمين فقط، فيكون تمييزاً فجاً بين ابناء الوطن الواحد؟ هل تقام الحدود على غير المسلمين ايضاً، فيكون هذا فرضاً لشريعة دينية غير شريعتهم عليهم؟
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 18. لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
"وإذا كانت الجريمة مجرد إلقاء الرعب على الآمنين يتم حبس الجانى حتى تظهر توبته. وتنص المادة الأخيرة من المشروع على سقوط حد الحرابة فى حق من يعلن توبته من الجناة."

قمة الفكاهة! ما هي مقاييس التوبة؟ هل التوبة حركات يؤديها الانسان؟ أم كلمات يقولها؟ أم هي حالة قلبية لا يعلمها إلا الله؟ فإن كانت التوبة حالة قلبية يعلم الله وحده صدقها، انهار مشروع القانون ذلك – فأين لوزارة الداخلية أن تفتش في قلوب الخلق؟

أما ان كانت التوبة طقوس وحركات واقوال تحدد في مواد القانون، فما اسهل افتعالها وتمثيلها وايهام المسئولين بتوبة الجاني، فتسقط عنه العقوبة. وتصير حينئذ مهنة المحاماة مزيجاً من كورسات التمثيل والكهنوت والتلاعب بالقانون. ارجوكم ارحموا عقولنا من هذه السخافات!

"وقال النائب إن القانون هو النبتة الأولى لمجلس الشعب لتطبيق شريعة الله فى الأرض، وقال أيضاً إن المصريين أعطوا أصواتهم للإسلاميين لهذا المقصد، وسنواصل تقديم بقية مشروعات القوانين لتطبيق بقية الحدود."
بخلاف قضية "شريعة الله" التي ناقشناها في أول المقال، يدَّعي النائب أن المصريين اختاروا الاسلاميين رغبة في تطبيق الشريعة! لا اعلم أي مصريين يتكلم عنهم النائب! انزل الى الشارع واسأل المارة: ماذا تريدون من البرلمان؟ اجزم ان ردودهم ستدور حول انابيب البوتاجاز وطوابير العيش والبطالة والثانوية العامة وزحام المواصلات وقمامة الشوارع – واجزم ان احداً لن يذكر الشريعة!

هذا الفيديو دليل واضح جداً على كلامي. نسمع فيه سكان العمرانية يتحسرون على انتخابهم نائب حزب الحرية والعدالة، حزب "الاسلام هو الحل"، ونراه يعاملهم كمن يعامل الخدم لا المواطنين الذين حمَّلوه مسئولية دائرتهم.

"وعلق النائب العزازى، صاحب الاقتراح: إن بعض الناس لا يأتون إلا بالعقاب الرادع، والعقوبات الوضعية (القوانين الحالية) غير رادعة، وأشار إلى تدنى نسبة ارتكاب الجرائم فى المملكة العربية السعودية التى تطبق حد الحرابة مقارنة بالدول الأخرى."
اشك ان النائب توقع أن يوجد بين صفوف الشعب انسان "فاضي" يفتش وراء دقة معلوماته. فمثلاً، طبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة عام 2002، جاءت السعودية في المركز 48 من 82 دولة هي الأعلى في معدلات الجريمة. والحق يقال انه سجل جيد، حين نأخذ في الاعتبار أن الدول ذات معدلات الجريمة الأعلى في تلك السنة هي (تنازلياً) الولايات المتحدة الامريكية ثم المملكة المتحدة ثم المانيا ثم فرنسا!
لكن فات النائب ان الجريمة في آيسلاند مثلاً اقل من السعودية (المركز 52). أليس من الافضل اذاً ان نطبق القانون الجنائي الآيسلاندي؟ هل يعلم النائب ان نسبة جرائم القتل في آيسلاند عام 2010 وصلت الى 0.31% (أي عدد القتلى من كل 100،000 نسمة) مقارنة بـ 1.04% في السعودية (هنا)؟ وهذا مع أن حكومة آيسلاند لا "تردع" مواطنيها بالعقوبات الوحشية التي يدعي النائب أنها الحل – فقد الغت آيسلاند عقوبة الاعدام كليةً عام 1928م، واضاقت مادة في قانونها عام 1995م تمنع أي محاولات لاعادة عقوبة الاعدام.
إنها العقلية القبلية، التي لا ترى في المجتمع الا سيداً يَردَع أو مسوداً يرتدع!
طبعاً النائب لا يعرف هذا كله. فلكي يعرفه، ينبغى أن يقرأ عن ثقافات مجتمعات الدول الأجنبية. ولكي يقرأ، ينبغي أن يجيد لغة أجنبية، على الأقل الانجليزية. لكن كيف يجيد الانجليزية، وهو ينتمي لحزب نادى احد اعضائه بمنع تدريس الانجليزية في المدارس لأنها مخطط اجنبي؟  



اقرأ مناظرة حول التدوينة السابقة مع أحد شباب الإسلاميين هنا

Tuesday, March 6, 2012

بلد تِقرِف

بلد تِقرِف.
جملة بنقولها ع الأقل مرتين في الاسبوع: كل خميس بعد الضهر، وكل حد الصبح.
ده غير ان طول الاسبوع في كل مشاويرنا شايفين اكياس بلاستيك مكعبشة بتتنطط ع الرصفة، وبراز الدواب ع الاسفلت بريحته العفنة لو يوم حَر، بنخبط في كتاف بعض ونعمل عُبط عشان لو دقينا على كل كتف خبطنا مش هانتحرك من مكاننا خطوتين على بعض. حتى الشجر تحسه خوازيق في الطريق تكدرنا وتعسفنا، بتزحم الرصيف اللي هو سايعنا بالعافية اصلاً.
معالم البلد مخفية ورا ستارة دخان شكمانات وعفرة تراب، وغيمة دوشة وخناق وشتيمة وصياح. حتى اصوات العصافير مابقيناش نسمعها غير في الأفلام. احتكاكنا بالعصافير بقى مقتصر على اللا مؤاخذة اللي بتعمله علينا بقدرة قادر في النُص لحظة اللي بنعدي فيها تحت فرع شجرة!
الحل عند كتير مننا انه مافيش حل، يللا نمشي من البلد بحثاً عن الجمال والرونق. نروح بلاد الجليد والجبال والغابات. نشم هوا نضيف ونصَيِّف مع بنات البيكيني بعناقيد الورد تحت شجر جوز الهند. نسهر ع النجيلة في جنينة نِعِد النجوم بتلالي. نشوف العجايب، برج ايفل وبيج بين وديزني ولا ان شالله سور الصين.
بس حصل معايا من كام يوم عكس ده. كنت باجري يوم جمعة الصبح بدري، على 8 كده. الدنيا هِو، مافيش جنس مخلوق، وفين على ما عربية تسفخ جنبي.
شفت يومها البلد كما لم ارها من قبل.
شفت حمام بيتنطط ع الرصيف، بيجري ورا ورق شجر ناشف استغنى عن افرع شجره وسرح. بدل كتاف بني آدمين شقيانة بتخبطني شمال ويمين، كان بيلفني ويلمس كل حتة فيّ هوا نضيف ساقع صافي. من غير اصوات البشر والعربيات سمعت اصوات الف الف عصفورة في مِيْت شجرة حوالية. سمعت صوت ورق الشجر بيوشوش بعضه فوقيا، كأنه بينم على كل نسمة هوا تعدي. حتى الشجر نفسه شوفته على حقيقته. ماعادش خوازيق في الطريق تزحم رصيف سايعنا بالعافية، انما شوفته تحف خضرا على جذع بُني منقوش متين.
شفت لانشات وبواخر راسية على ضهر نيل ازاز بيبرق، طالعة نازلة بشويش مع الموج الهادي كأنها دبت فيها الروح مخصوص عشان تتنفس الهوا النضيف. شفت شباب مالقاش حد يوظف طاقته ورفض يسئ استخدام عافيته، شباب تعب من المعافرة ضد تيار مجتمع عايز أي حاجة الا انه يتحرك، فقرروا يجدفوا ضد تيار النيل في قواربهم النحيفة على ما تُفرَج. حتى البنت الحلوة اترزقت بيها، بتجري عكسي، وخصلتين من شعرها هربانين من الباندانا مخصوص يشاورولي على وشها المزمهر ونور الشمس بيترقص على تقاسيمه.
معالم البلد الأصلية اتجلت قدامي. السما كرمتني بِرَشّة مطر ماكملتش 10 دقايق، يادوب نزلت غسلت لي المباني والحيطان والاسوار وتوريني حقيقتها اللي احنا مشوهينها. شفت اسدين قصر النيل لأول مرة من زمن ماحواليهمش اكوام بشر منسوجين في بعض. شفت كورنيش جاردن سيتي لأول مرة من زمن من غير بياعين القصافات والمناديل... من غير عيال مدارس الثانوي اللي بيستكشفوا لأول مرة المزيج الغامض بين غريزتهم وتخيلاتهم اللي اسمه "حب"... من غير متسولين طحنهم الزمن وساب اشلاءهم قدامنا تذكار يفكرنا بجبروت الزمن علينا... شفت الكورنيش على ما هو اصلاً عليه: ضفتين محاوطين نهر، مش شارع مزحوم بينقلني بين جبهة معركة من معارك اليوم والتانية.
شفت معالم البلد كما نريد لها ان تكون.
البلد مش محتاجة تتبني من جديد. البلد عايزانا بس نشيل التراب اللي اتكوم عليها واتسرب ليها. تراب اتكوم واتسرب من اهمالنا احنا. البلد حلوة مش محتاجة تجميل، البلد عايزانا بس نمسح الهباب اللي اتلطخت بيه. هباب اتلطخت بيه من طناشنا احنا. ميدان التحرير بعد الثورة ما احتاجش يتساوى بالأرض ويتصمم ويتبني من جديد، لأ، احتاج بس يتنضف من اللي اتراكم فيه مطرحنا احنا.
انسوا وهم "الجمال في عين الرائي". دي معناها ان الجمال يروح لحظة ما الرائي يروح. مع بلدنا، ده مش صح! احنا هانروح، وبلدنا هاتفضل جميلة، وهاييجي غيرنا بعدنا، هايشوفوا جمالها. احنا هانروح ونتنسي، بس الحمام هايفضل يتنطط بين الفروع. احنا هانروح ونتنسي، بس الشمس هاتطلع كل يوم تجلي النيل. احنا هانروح ونتنسي، بس هايتولد بعدنا صبيان عفية وبنات حلوة، وهايشوفوا ويقدَّروا قيمة الجمال اللي احنا حارمين  نفسنا منه. اللوحة الجميلة موجودة مرسومة ومتبروزة، بس احنا اللي معلقينها بالمقلوب وشها للحيط!   
بلدنا جميلة، بس احنا مش بنحط الحاجة في مكانها. المباني حطيناها مكان المزارع. الحِصِنة والحمير حطيناها مكان العربيات. العربيات حطيناها مكان البني آدمين. العيش حطيناه ع الرصيف مكان الجزم، والجزم حطيناها على ارفف في الفتارين مكان الكتب. غير ده وده، احنا الشباب عملنا ثورة حطيناها في ايد العواجيز. بعدين صبينا صَبِّة ديمقراطية حطيناها في ايد اللي مبدأهم ان الديمقراطية كفر. من بعد الثورة اتقتل كتير حطينا مسئولية رجوع حقهم في ايد المسئول عن قتلهم. الأجنبي اتحط مكان المصري، والمصري اتحط في مقام الغريب. المشايخ حطيناهم مكان العلما، والمعبد حطيناه مكان المحكمة. في كل حاجة في حياتنا، عندنا العيش وعندنا الخباز، بس مابنديش العيش لخبازه، فالنتيجة ان العيش بيتحرق، والخباز بيتخنق بالعطلة والملل!  
واحنا لسة بنفكر كأن اصل المشكلة مش فينا. العيبة ع البلد. احنا حلوين قوي، آه وربنا، بس حسني مبارك كان جايبنا ورا منه لله. بأمارة من ساعة ما مبارك مشي بطلنا نرمي زبالتنا في الشارع، ومصانع اعادة التصنيع والتدوير شغالة بالطاقة القصوى. من يوم 11 فبراير 2011 بنعدي الشوارع من عند الاشارات مش من حيثما تيسر. من ساعة خطاب التنحي واحنا ملتزمين بأبواب النزول والصعود في المترو.
جاتنا خيبة.
حتى توصيفنا لمشاكل بلدنا غلط. في لا وعينا بننكر ان احنا السبب واحنا الحل، بنهرب من مساءلة ضمايرنا ومن المسئولية. بقى العادى على لساننا نقول "الشوارع مليانة زبالة" بينما حقيقية المشكلة "احنا ماليين الشوارع زبالة". بنقول "المواصلات زحمة" بدل "احنا زاحمين المواصلات". عملنا بإيدينا ثورة، بس لسة بنسأل "البلد رايحة على فين؟" بدل "احنا واخدين بلدنا على فين؟". بنشتكي "الثورة لسة ما نجحتش" بدل "احنا لسة مانجَّحناش الثورة".
في جملة وصف حالنا، المفعول بيه اتحط مكان الفاعل، والفاعل الحقيقي حذف نفسه وانزوى.
لأ البلد ما تقرفش. احنا اللي نقرف. وماحدش هايغيَّرنا غيرنا. آه، الثورات تمحو اخطاء الشعوب، لكنها لا تعصمها من الخطأ. الثورة شالت الحِجة اللي كنا بنتمسح فيها وبنعلق بلاوينا عليها. لازم نتغير احنا بقى!
مبارك ورجالته عكوا الدنيا وضلوا عن الصح، والشعب ثار وصحح المسار. بس لو الشعب نفسه ضل، مين يثور عليه؟!  

اضغط على الصور للتكبير.
شكر خاص للزميل الفنان د. عمرو على عيسى على اللوحتين الفوتوغرافيتين الرائعتين!
(اضغط على الاسم للمزيد من أعمال الفنان)