للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Thursday, August 29, 2013

الحرية - سلباً وإيجاباً


الحرية هي القدرة على التصرف بملء الإرادة والخيار، حالة يكون عليها المرء الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقاً لإرادته وطبيعته.

ترجع تقسيمة الحرية سلباً وإيجاباً إلى أيام كانطKant  (على الأقل)، وتعمق في دراستها أيزيا بيرلينIsaiah Berlin   في منتصف القرن الماضي.

الحرية السلبية هي غياب العوائق أو الحواجز أو الضغوط الخارجية؛ أنت حر طالما لم يمنعك أحدهم عن فعل ما تريده.
الحرية السلبية هي جواب سؤال: ما المساحة التي يُترَك فيها المرء ليفعل\يكون ما يريده دون تدخل من الغير؟
التركيز في التنظير للحرية السلبية منصب على العوامل الخارجية التي تتدخل في اختيارات المرء مقيدة أو محددة إياها.

تتميز الحرية السلبية بتركيزها على تحديد الدائرة التي يتصرف فيها المرء وفق إرادته الذاتية، دائرة هو سيدها، دائرة لا تحدها إلا حدود دوائر غيره من الأفراد.

أما الحرية الإيجابية فهي إمكانية التصرف بما يحقق للمرء\المجموع سيطرته على حياته وتحقيق غاياته الأساسية، أن يكون المرء\المجموع متحكماً في مصيره بما يحقق مصالحه.
الحرية الإيجابية جوابُ سؤالما\مَن مصدر التحكم\التدخل الذي يحدد كون\فعل المرء\المجموع هذا أو ذاك؟
التركيز في التنظير للحرية الإيجابية هو على العوامل الداخلية التي تؤثر على مدى تصرف الفرد\الجماعة باستقلالية وتحكم في المصير الذاتي.

تعيب الحرية الإيجابية إمكانية سوء استغلالها، حين تُدمَج مع التصرف العقلاني بناءً على المعرفة، والتي تُقَدَّم بدورها كحكر على فئة أو "نخبة" معينة، إذ ليس الكل متساوين في المعرفة. في تلك الحالة، تصير المطالبة بالحرية الإيجابية سعياً ضمنياً لفرض نفوذ الفئة "العارفة" على الجماعة ككل، في سبيل تحقيق المصلحة الأعم للجماعة - أي، الشمولية.

يمكن القول إذن أن الحرية السلبية هي ببساطة متعلقة بعدد الأبواب المفتوحة أمام الشخص، أما الحرية الإيجابية فهي إمكانية الدخول من الأبواب المناسبة للأسباب المناسبة.

تُنسَب الحرية السلبية للأفراد غالباً، أما الحرية الإيجابية فيمكن أن تتصف بها المجاميع، أو الأفراد من حيث أنهم عناصر مكونة في مجموع ما.

تعود التسميات هذه إلى كون الحرية "السلبية" قائمة على "غياب" أمر ما، أي الموانع، بينما الحرية "الإيجابية" قائمة على "وجود" إمكانية تقرير المصير الذاتي أو التحكم فيه أو ضبطه.

أهم ما في الأمر بالنسبة لي، أن الحرية السلبية هي قوام الليبرالية الكلاسيكية  classical liberalism التي انتهجها، بينما الليبرالية الإيجابية هي عماد الليبرالية المحافظة conservative liberalism، تلك الليبرالية المائعة "الراقصة على السلم" المسماة في مجتمعنا، بلغة الشارع، "ليبرالية بمرجعية دينية".


Tuesday, August 27, 2013

وانطلقت - بقلم إيمان عبد الله

التدوينة منشورة بإذن من كاتبتها؛ لقراءة التدوينة الأصلية والتواصل مع الكاتبة مباشرة، اضغط هنا.

-----------

ترقد على فراش الموت فى بيت صديقة عمرها سيدة الاعمال الشهيرة 

تمر حياتها أمام عينيها المرهقتين كلقطات سريعة متتابعة 

تذكر طفولتها .. مراهقتها .. 

أول يوم لها فى الجامعة ..صوت والدها يصرخ فى أذنيها لاكتشافه كتابتها كلمات حب فى قصاصة لشاب .. الذى لا يعرفه والدها انها لا تعرف شيئا عن هذا الشاب سوى اسمه وجنسيته 

اليوم الذى قابلت فيه زوجها فى بداية عملها بالوظيفة الحكومية .. 

يوم أن قفز قلبها خارج قفصها الصدرى حين قال لها أحبك .. 

يوم أن جاء لخطبتها .. 

أمها تنهرها لأنها أحرقت الطعام مرددة : قال عاوزه تتجوزى قال .. 

يوم زفافها وكلمات أمها ترن فى أذنيها : الست مالهاش غير بيتها وجوزها 

أيام زواجها الاولى التى ظنت فيها أنها دخلت الجنة ولن تخرج منها أبدا 

فرحتها بمولودها الاول الذى عقها فيما بعد 

تسيل دموعها .. فتمسحها صديقة العمر 

يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه

إحساس بشع بالذنب تجاهها .. تجاه الشخص الوحيد الصادق معها .. الشخص الوحيد الذى تقبلها حين رفضها الآخرون 

تتدافع ذكرياتها معها أمام عينيها 

ألعاب الطفولة التى كانت مادة جيدة للفكاهة بعد أن كبرا

مراهقتهما .. واليوم الذى تشاجرتا فيه عندما نصحتها الصديقة ان تركز فى الدراسة معها وتترك صحبة الفتاة الجديدة .. فكان ردها الغبى عليها : انتى بتغيرى 
-
انا
-
ايوه انتى .. بتغيرى منى عشان انا حبوبة وكل الناس عاوزه تصاحبنى .. كمان عشان انا احلى منك 

لم تتلق ردا سوى دموع فى عينى صديقتها .. لم تمسحها 

سامحينى .. تهمهم بها 

فترد الصديقة مربتة على كتفها : ارتاحى 

تغمض عينيها 

تتذكر مرة أخرى يوم زواجها ويوم وصول مولودها الاول تتذكر صديقتها فى هذين اليومين وقبلهما كم بذلت من مجهود معها ... بالرغم من تأكيد والدتها لها ان البنت دى بتغير منك .. انتى اتجوزتى وخلفتى وهى لسه .. متخليهاش تشيل الواد لتحسده واللا تقرصه من غلها .. اه .... متخليهاش تقعد مع جوزك لتخطفه .. البنت دى بتحقد عليكى .. اسمعى كلامى 

تتذكر بعدها بسنين يوم فرح صديقتها .. لم ترد لها الجميل فقد كانت مكبلة بأوامر سى السيد وطلبات الاولاد التى لا تنتهى .. كانت مرهقة نفسيا وجسديا إلى حد كبير 
حضرت ساعة من الفرح مع سى السيد والاولاد 
كانت العروس جميلة ومبتهجه كزهرة فى بستان .. اما هى .. هى التى كانت تظن العروس تغار منها فى مرحلة ما من حياتها كانت شاحبة .. مرهقة .. تبدو أكبر من عمرها بعشر سنين على الاقل 

نظرت لثيابها الواسعة التى تدارى بها جسدها المترهل .. الذى كان يوما ( عود بان ) كما كانت تقول لها أمها .. وإلى فستان العروس المطرز .. ثم نظرت للاشىء 

بعدها بسنتين تذكرت يوم ان اخبرتها صديقتها وهى تنفث دخان سيجارتها أنها وزوجها اتفقا على الطلاق .. لانه يريد ان يهاجر وهى ترى مستقبلها هنا فى هذا البلد
وردها عليها : حد طايل يسيب المخروبة دى .. وعلى رأى أمى الله يرحمها الست مالهاش غير بيتها وجوزها 
لم تتلق من صديقتها ردا سوى نصف ابتسامة لم تفهم معناها الا بعد سنوات عندما رأت صورتها فى الجريدة واسعة الانتشار 

بعد طلاق صديقتها بفترة جاءتها يوما تسألها عن علاقتها بزوجها .. ولما ألحت عليها أن تخبرها بماوراء السؤال أخبرتها أنه يخونها مع قريبة لها .. وإن الشلة كلها عارفة 
ولما واجهت زوجها بهذا الكلام أنكر وهاج وماج وقال لها : الولية دى خربت بيتها وعاوزة تخرب بيتنا .. لو دخلت البيت ده تانى تبقى طالق 

لم يكن أمامها الا الانصياع له .. لأن الست مالهاش غير بيتها وجوزها 

بعد سنة صارحها زوجها بأنه سيتزوج من قريبتها التى أنكر من قبل أنه على علاقة بها .. وأن لها الخيار فى الطلاق أو الاستمرار 

تذكرت يوم وفاته وبكائها الشديد على عمرها الذى ضيعته .. لأن الست مالهاش غير بيتها وجوزها 

أحست فجأة أنها خفيفة جدا 
شقت جسدها كفراشة تخرج من شرنقة 
طارت فى محيط الغرفة سعيدة بالتحرر من هذا الجسد الواهن 

رأت صديقتها من مشهد علوى تهز جسدها وتناديها وتبكى
حاولت أن تطمئنها أنها بخير .. لكن الصديقة لم تسمعها 
نزلت لرأس الصديقة .. داعبت خصلة من شعرها ..
همست لها : لا تحزنى ياصديقتى .. أراكِ على الجانب الآخر 

ثم إنطلقت



Thursday, May 16, 2013

موعظة أخرى على الجبل

طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت من بساطة وتصالح مع واقعهم يلوذون به من تجبر كل متعجرف متغطرس؛ أولئك لا هالات زائفة رسموها حول أنفسهم يخشون اضمحلالها، ولا منصات من دخان نصّبوا أنفسهم عليها يخافون انقشاعها.

طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون متى ادركوا أن الحزن والفرح وجهان لعملة واحدة ومد وجزر للجة واحدة هي الحياة؛ لكل ما يبدأ نهاية، فكما يبدأ السَعد وينتهي بعوائد الدهر، كذلك يبدأ الحزن ثم ينتهي بمسرات الأيام.

طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الارض؛ فمَن تناحروا قُتِلَ منهم المهزومون وعاش بعدها مَن حسبوا أنفسهم منتصرين متحفزين دفاعاً عمّا اغتنموه، متوجسين مِمَن يطلبون الاقتصاص للمغلوبين. أما أنتم يا ودعاء فالأرض ميراث لكم تهنأون به وتُسرون بطيباته في تشارك وتعايش. الأرض تسعُ الجميعَ.
  
طوبى للجياع والعطاش إلى المعرفة، لأنهم يُشبَعون حيناً، ثم يجوعون ويعطشون للمزيد، فتبقى لهم متجددةً أبداً لذة الانتشاء بأول ذوق شهي مِن بعد إيقاب.

طوبى للرحماء، لأنهم يُرحَمون من تلك الجُشرة التي تلطّخ كيان كل عاتٍ عَرَضاً لبغيه!

طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله في كل ما حولهم؛ فالله هو كل جميل ونقي مأمول ابتغاه الإنسان فجمعه وكثّفَه في مفهوم أسمى ودعاه "الرب"؛ فمَن كان قلبه "إلهياً"، أسقط "الله" على كل ما يعاينه ورآه فيه.

طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الحياة يُدعَون.

طوبى للمطرودين من أجل حق آمنوا به وكان – على نسبيته – خيراً لقومهم في زمانهم ومكانهم، لأن لهم مقامهم في مَلَكُوت مَن دفعوا البشرية للأمام وارتقوا بها، ملكوت هو سجل التاريخ. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجل ذاك الحق، كاذبين. افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم فِي نُصُب الضمير الإنساني، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم ، أنبياء هم حشد شمل – وإن لم يقتصر على – بوذا ويسوع وجبران وغاندي ولوثر كينج وستيوارت ميل وماركس وغيرهم يأتون بعدكم.

كونوا ملحاً لأهل الأرض، يزكّي عطشَهم لكل معرفة واستنارة، ويحفظ الإنسانية من عفن يزرعه أسرى ماضٍ أسن بمرور الأيام واستغناء الضمير الإنساني عنه.

كونوا نوراً للعالم، ولا تخشوا خفافيش الظلام وأفاعيه، فلا تختبئوا مطمئنين إلى تربِيْتِكم على ظهور بعضكم البعض، فلا يوقد سراج ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لأن في حياة البشر – على خلاف الطبيعة – لا يكفي للنور أن يتواجد ويكون وحسب ليمحو الظلام، بل على النور الإنساني أن يصارع يقاوم لطمات الظلام ويقوى عليها حتى يخترق غيومه. فالنار الآكلة المخربة لا تنطفئ بوجود الماء إلى جوارها في الإناء، بل لازمٌ أن يخرج الماء عن سكينته في أمان الإناء ويفيض على اللهب!


Sunday, April 21, 2013

مفتوحة

سَلْ أي أحد عن سبب ختان الذكور، يقول لك بالحد الأدنى من الثقافة الطبية: "ماعرفش بالظبط، بس هو له سبب طبي بيمنع بعض الأمراض" (وهو تعميم، على قصوره، لا يخلو من الصحة).

وجّهْ نفس السؤال للشخص عينه، لكن بخصوص ختان الإناث، تجد إجابة مقززة صادمة بمعنى:
"عشان يقلل الشهوة عند البنت وماتستثارش بسهولة"

فبينما يقتنع المرء بسبب صحي لختان الذكور، يقبل سبباً ذكورياً تسلطياً لختان الإناث!

ولِمَ لا؟
فالأنثى في نظره ناقصة عقل، لا تقدر أن تضبط رغبتها، هي تيار شهوة وشبق، لو تُرِكَت لحالها لصارت مسعورةً جنسياً لا يهمها إلا إرضاء ذلك النهم المستعر بين فخذيها والذي يشعله ولو احتكاك ثيابها بجسدها!

هذه المفاهيم الذكورية السخيفة مستقرة في وعينا الجمعي  وحتى في لغتنا اليومية: أن شهية الأنثى الجنسية وحش كاسر يجب ترويضه بأي ثمن...

فمَن مِنّا لم يسمع أغنية "العلبة الدهبية"؟
كم مرة سمعنا زوجاً ينصح آخرَ بالترامادول أو الحشيش أو الجمبري أو أيٍ من تلك الأساطير كي تزيد من فحولته حتى "يكيّف" زوجته و "يملا عينيها"، وإلا خرجت بحثاً عن الجنس في الشوارع والأزقة لأنها لا تجد كفايتها في فراش زوجيتها؟
تُرى ما عدد شباب جيلنا هذا الذي قرأ بنهم على الانترنت صفحات ملحمة "مديحة" الجنسية، وصدّق وآمن أن هذا نموذج الأنثى التي يتعامل معها في الحياة اليومية: بداخلها نواة انفجار جنسي يُشعَل فتيله بكل سهولة فيطول القاصي والداني؟!

ختان الإناث قائم على فكرة بسيطة:

انزع ذلك الجزء الحسّاس، مفتاح استثارة الأنثى واستمتاعها جنسياً، كي ترضى بقليلها في الجنس، لتتجنب يا ذكر مجازفة أن تفوق رغبتها استطاعتك. انزع مفتاح إثارتها، لا يحق للأنثى التعبير عن رغبتها أو احتياجها للجنس، فتلك المطالبة معناها أنك يا ذكر "مش مالي عينها" ولا تعطيها كفايتها، وإلا فلِمَ تريد المزيد؟

كيف تترك المرأة العزباء بذلك اللغم الجنسي بين فخذيها؟ تلك الناقصة عقل ودين سرعان ما ستسلمها شهوتها لأول مغازل لها فتفقد عذريتها، وويل للأنثى التي يتمزق بداخلها ذلك الغشاء الرقيق دون زيجة! لا تهم "بكورية" الذكر ولا تعنينا عدد خبراته الجنسية في الظلام قبل زواجه، قدر ما يهم الإبقاء على ذلك الغشاء سليماً؛ ولأن أول خطوة على طريق العلاقة الجنسية التي تنتهي بفض ذلك الغشاء هي الإثارة، فاقطع الطريق من أوله وانزع مفتاح تلك الإثارة من جسد الأنثى! وإلا صارت ابنتك أو أختك "مفتوحة" تُدخِل وتُخرج مَن تشاء، و "شمال" و "على حَل شعرها" و "بتاعت كله"!

هي أفكار بدائية متبقية مما وصفه ول ديورانت بـ "الملكية" في موسوعته "قصة الحضارة – نشأة الحضارة، الشرق الأدنى، الباب الرابع: العناصر الخُلُقية في المدنية، الفصل الثاني: أخلاق الجنس". فيقول:

"إنها الملكية، حين قام بين الناس نظامها؛ فالعفة الجنسية بالنسبة إلى البنات قبل الزواج جاءت امتداداً للشعور بالمِلْك الذي أحسه الرجل إزاء زوجته بعد أن أصبحت الأسرة أبوية يرأسها الزوج؛ وازدادت قيمة البكارة لأن العروس في ظل نظام الزواج بالشراء كانت تُشتَرى بثمن أغلى إن كانت بكراً من ثمن أختها التي ضعفت إرادتها، إن البكر يبشر ماضيها بالأمانة الزوجية التي أصبحت عندئذ قيمة كبرى في أعين الرجال الذين كان يؤرقهم الهم خشية أن يوّرثوا أملاكهم إلى أبناء السفاح. وأما الرجال فلم يَدُرْ في خواطرهم قط أن يقيدوا أنفسهم بمثل هذا القيد، ولست تجد جماعة في التاريخ كله قد أصرت على عفة الذكر قبل الزواج، بل لست تجد في أية لغة من اللغات كلمة معناها الرجل البكر."

فالأنثى في مجتمعنا الذكوري من أملاك أبيها أو زوجها أو... أو... ؛ مَن منا لم يسمع تعبير " حريمك" في مختلف السياقات؟!

إن كانت العفة مبتغى تلك العادة الاجتماعية الرديئة فعلاً، فلتلبسوا الذكور أحزمة عفة أيضاً إلى أن يتزوجوا!

إنما هي فوبيا الجنس في المقام الأول، ثم الحَط من شأن الأنثى – وهو نابع من فوبيا الجنس. لأن الجنسانية اختزلوها في الجماع، والرجولة في القدرة على الجماع مرات ومرات... نسوا أن العلاقة الجنسية ليست أن يحس الرجل وأن تحس المرأة، إنما أن يحسس الرجلُ المرأةَ وأن تحسسه هي! عرَّفوا الجنس على أنه "واجب" زوجي، وفاتهم أنه حوار وغزل وشد وجذب ودلال وتمنّع، مثله تماماً مثل الأغاني والأشعار والرسائل والمكالمات الهامسة ومسك الأيادي وتبادل الورود!

من حق الأنثى أن تحس كل تفاصيل علاقتها الجنسية بكل ما خُلِقَ لها من إمكانيات إحساس. جاهل أنت يا مَن تظن أن الأنثى المختونة ستجد المتعة في قدرتك على مواصلة الجماع لساعات، لأن متعة الأنثى تحسها أساساً من البظر والشفرين بنسب متفاوتة، وأخيراً وبأقل قدر من المهبل. فالختان يزيل البظر والشفرين، فيتحول الجنس للأنثى من وسيلة تواصل وانتشاء إلى جماع واجب عليها إما لإنجاب الأطفال أو إرضاء الزوج و "المحافظة عليه".

لختان الإناث، أو لأجل الدقة، تشويه\بتر الأعضاء التناسلية للأنثى female genital mutilation، أربعة أنواع أو مستويات:
  •  النوع الأول: إزالة البظر بغطائه clitoris & clitoral hood
  • النوع الثاني: إزالة البظر والشفرين الصغيرين labia minora
  • النوع الثالث: استئصال الشفرين الكبيرين والصغيرين والبظر مع حياكة الجرح لترك فتحة صغيرة تسمح بمرور البول والحيض، ثم تُفتَح تلك الفتحة عند الزواج.
  • النوع الرابع: عمليات متعددة تتراوح ما بين وخز أو ثقب رمزي للبظر، أو كي البظر، أو سكب مواد كاوية على المهبل vagina لتضييقه.

ليس لختان الإناث أي قيمة طبية. أكرر، ليس لختان الإناث أي قيمة طبية. أما الأضرار الطبية الناجمة فعديدة، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الالتهابات المزمنة في المثانة والمسالك البولية، والحويصلات، والعقم، مخاطر الحمل والولادة، والتقرحات والنزيف وإلخ.

من السخف بعد كل هذا التطرق لقضية رأي الدين في ختان الإناث. فمجرد وجود وجهات نظر دينية متضاربة حول تلك القضية، ما بين محلل ومؤيد ومعارض ومحرم، هو أمر مخزي: ففي الحياة قضايا بديهية لا يجوز حتى الاختلاف حولها! فإلى أن يحسم ذوو اللحى جدالهم حول هذه القضية، نؤدي نحن ما نراه واجباً إنسانياً تنويرياً للقضاء على هذه العادة المقيتة.

وكلي يقين أننا إن أصلحنا العقلية الذكورية المتسلطة التي ترى الأنثى أقل بشكل أو بآخر من الذكر، سينصلح حال مجتمعنا انصلاحاً ليس بيسير، إذ تنمحي شيئاً فشيئاً مفاهيم عدة تنخر في عظام مجتمعنا المُستَغني عن المساواة التامة بين الرجل والمرأة، تلك المساواة التي علينا الإيمان بها في كياننا وضميرنا ووعينا قبل أن نسنها في قوانين هي حبر على ورق إن لم نعتنق روحها.





Monday, February 11, 2013

في نعي النعي - بقلم محمد هشام محرم

رداً على تدوينتي "نعي شهيدٍ لم يُصرَع بعد"




أتنعاني وأنا حي و تبخل علي بكلماتك بعد موتي؟ 
تصنّع أنك لن تكترث بموتي، وأنك لن تكتب عني حرفاً واحداً. فأنا أعلم جيداً أنك ستذكرني دائماً.
أما الآن فكُف عن نحيبك وعويلك فأنا مازلت حياً أرزق .
من الجائز أن يقتلوني كما قتلوا سابقييَّ،من الجائز أيضاً أن يُقال عني بلطجي أو مثير شغب.
ولكن أنا راضٍ بذلك تمام الرضا مادمت في عينك وعين من هُم مثلنا "بطلاً" أنافس أبا الهول شموخاً.

يا صديقي أتكره أن تراني مع من أحب؟ 
أتكره أن تراني مع خالد سعيد ومينا دانيال والشيخ عماد وأنس وجيكا؟
أتكره أن تراني سعيداً برؤية وجه أبي البشوش مرة أخري؟

لا تحمل هَم الانتظار فسأحاول جاهداً أن انتظرك أنت ومَن أحب مِن أهل الأرض. فعلي حسب روايتك في النهاية سنذهب جميعاً إلي نفس المكان.

هذا إن مُت؛ فقط أريدك أن تطمأن: لن أموت قبل أن يشاء "ربي" هذا، سأبقى شوكة مزعجة مؤلمة في حلقهم الذي يتسع لنا جميعاً، لا أضمن لك إنتصاري ولكن أؤكد لك أني سأبقى دائماً ازعجهم و اربكهم و أجعلهم يعيدون حساباتهم دوماً فإما أن يستقيموا أو يرحلوا أو نرحل نحن ونحن ننظر إليهم بشماتة لأننا حتي في موتنا أقوى منهم.

تنويه أخير: عندما أرحل أنت من سيكتب نعيي وستجعلهم يبكون كما بكيت أنا عندما قرأت "نعي شهيدٍ لم يُصرَع بعد".

يُتبع؟ أعتقد ذلك.



Tuesday, January 22, 2013

نعي شهيدٍ لم يُصرَع بعد


أنعاك وأنت حيٌ بعد، لأنّي لن أكتب حين تموت.

حينذاك، سيصعب على أصابعي المضرجةِ بدماءٍ دافئةٍ تنزُ من جسدك الممزق الإمساكُ بقلم، وستنشغل يداي عن جمع الأوراق بسند رأسك الذي نزع الموت عنه، أخيراً، صلابته وشموخه.

ربما تزهق روحك طلقات رسمية من عتاد النظام الحاكم، أو ربما طعنات وضربات من زبانيته ومرتزقته. في الحالتين سأنشغل عن تنميق كلمات مرثية بإحصاء الثقوب والطعنات في لحمك.

سيقتلونك يا صاحبي كما قتلوا سابقيك، ثم يجعلون من دمك شحماً لتروسٍ تدير آلة تحقيق مطامعهم.

سيلقون بجسدك المشقوق رمة أخرى على كوم القتلى الذي يتسلقونه هم وأنصارهم وصولاً للعرش (وأي عرش هذا الذي يُنصَب على الأشلاء؟ أراه وسط نعيق غربان ورائحة عفن ولون موت). أما نحن وأمثالنا الآتون بعدنا سنجعل منك وممن سبقوك ويلحقون بك طواطم نبجلها ونُقَرِّبُ لها دموعنا ثم ثناءنا.

أنت في سجلاتهم مثير للشغب بلطجي، ولكن في ضمائرنا عَلَمٌ ينافس أبا الهول شموخاً في صفحات التاريخ، فأنت حقاً هولٌ لهم وللفساد الذي يعيثونه في أرضنا.

وبينما تشق أمك صدرها وتمسح عن وجهها زينتها حداداً، سيتبادلون هم قبلات التهنئة فتتلطخ وجوههم حمرةً بدمائك التي تقطر من شفاههم. وتغلي دمانا في عروقنا، حتى نلحق بك الواحد تلو الآخر. فإما يغرقون ويلقون حتفهم في بِرَك دمانا التي يسيلونها، أو تكون آثارها وقد لطختهم شهادة عليهم لنا أمام التاريخ؛ وفي كل الأحوال نترك الأرض لهم، للضباع والجوارح والأفاعي. وهذا، في آخر المطاف مبتغانا: أن يجتمع الأبرياء والأنقياء والمخلصون في مكان، ويُعزَل عنهم الخبثاء والسفاحون والغدارون. والخونة.

هم موّحدون، لكنهم موحدون بأنفسهم وحسب، ولا يُقَدِّسون مكتوباً إلا دفاتر أرقام حساباتهم البنكية، أو ربما سجلات أسماء أنصارهم وأتباعهم.

الشيطان نفسه يستحي منهم، ويحمر وجهه الممسوخ خجلاً من منهجهم؛ فإبليس صريح يجهر بنيته للكيد بالخلق، بينما هم مراوغون يوارون شرهم وضررهم وراء اللحى والابتسامات الصفراء والسِبَح والمصاحف وسجاجيد الصلاة.


مقتنع أنا أن الوطن قد استكفى من دماء خيرة شبابه، وقد دبّت الحياة في أوصاله بعد أن ارتوى فانتعش؛لم يعد لمقتلك الآن غاية! إن كان أحد مستوجب الموت اليوم فهم أعداء وطننا ومغتصبوه ومستغلوه! لا تمت أرجوك، عِشْ، ففي حياتك وأمثالك نور لنا جميعاً! عِشْ، ففي حياتك شوكة في لحمهم تؤرقهم وتُذَكِّرهم أن الأمر لم يستتب لهم. ما جدوى موت كل أبطالنا شهداء؟ لن يبقى على أرض الوطن إلا التافهون والجشعون. والخونة.


لا تمت بالله عليك، فبموتك تحقق لهم مآربهم: أن ينزاح كل صوت حر وعقل مستنير من طريقهم! ابقَ، لأن بقاءك نبراس يلقي النور موجات متعاقبة على الأركان المعتمة التي يحاولون التخفي وقاذوراتهم فيها. ابقَ كي نكشف سوياً ونفضح ثم ننقي تلك العفونة! لا تمت، فلن يزعجهم انطفاء الشموع والمصابيح والمشاعل، فقد عاشوا أعواماً هذا قدرها تحت الأرض حتى اعتادوا العمل في الظلام. النور يزعجهم. يربكهم. يشوش خططهم.

الأنا بداخلي تأبى أن تَدَعَك، فقد سأمتُ لحظات الوداع. لا تخرج، أنت أثمن من أن ينتهي عمرك بينما مستذئبة يعيشون وينهشون لحومنا ذات اليمين وذات اليسار!

لكن الأنا العليا بداخلي توقن أنك صاحب قضية، وأنك اقسمتَ أن تأتي بحق مَن قُتِل من رفاقك أو تموت مثلهم.
اذهبْ، اذهبْ كي يرتاح ضميرك وتهدأ مهجتك. اذهبْ، فأنا اعرفك جيداً، ولأني اعرفك أرى ما قد يخفى على غيري... أرى وراء عينيك لهيباً يحترق ويلتهم باطنك يوماً وراء يوم، ولن يطفئه إلا قصاص أو راحةٌ بشهادة. اذهبْ، فوراء كل ضحكة تضحكها أرى دمعة مستترة تسيل من عينيك إلى داخلك لا على وجهك، ولن يكفف دموعك إلا قصاص أو راحةٌ بشهادة.


مُتْ شهيد قضيتك يا صديقي، فالحياة تحت حكم الأوباش وبين أتباعهم لا تليق بسمو مقامك! مُتْ شهيداً يا صديقي، واسمع مني الآن قبل أن يسد تراب القبر أذنيك:

اكرهُ أنك قبلتَ لي التمرر بموتك، واكرهُ أنني ملزَمٌ أن اشجعك على قرارك من أجل مصداقيتنا أنت وأنا إخلاصاً لمناهجنا، واكرهُ كلَ مَن كان سبباً في أن يقدم أمثالك ذواتهم وقوداً يحترق ويصير رماداً ربما يدفع محركات الوطن إلى الأمام.