للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Monday, February 27, 2012

من تعقيبات القراء

جاءنا من القارئ الفاضل محمد شعبان تعليق نبيه على تدوينتنا "ما هي العلمانية؟"، ننشره هنا كما وصلنا، شاكرين له رقيه في الاختلاف والاعتراض، ثم نعقب عليه بردنا على افكاره. ونؤكد على احترامنا الشديد لشخصه الكريم، رغم أي اختلافات في التوجه الفكري.
------------------------

صديقى.. تحية لك يا أخى فى الوطن
أشكرك على هذا الشرح الوافى للعلمانية التى تقتنع بها وتؤمن بها
ولقد كتبت منذ لحظات تعليق فى موضوع آخر لك أتسائل عن أى أنواع العلمانية أنت تؤمن وسط العديد من التصنيفات لها
سأتحدث بإختصار شديد قدر الإمكان لأن الموضوع يحتاج لساعات فى المناقشة والشرح
أولاً.. معظم مبادىء العلمانية التى ذكرتها نادى بها الدين الإسلامى وهذه من الأشياء التى أسعدتنى بالفعل بغض النظر عن فكرة الدين كما تقول
وأزيدك من الشعر بيت وهو أن بالفعل الدين الإسلامى يكفل لكل فرد أن يعتنق الديانة المناسبة له طالما هذه الديانة لا تفسد فى الأرض بأى شكل ولا تجعل مع الله شريك فى العبادة وسأشرح لك لماذا بعد أن أذكر لك أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان فى ذات مرة يتجول فوجد مجموعة من الأشخاص غير مسلمين وعلى ما أتذكر كان فيهم يهود وأقباط .. وكانوا يريدون أن يتعبدوا ولكن كان المكان بعيد عنهم فأدخلهم الرسول عليه الصلاة والسلام فى ركن من المسجد وتركهم يتعبدون كل واحد على طريقته داخل المسجد .. وهذا موقف يوضح موقف الإسلام من الديانات الأخرى .. فالدين الإسلامى يلزم المسلم أصلا أن يعتقد ويحترم كل الأديان السابقة والتى هى بالفعل أديان سماوية .. وهنا سأعود لفكرة الإلحاد والشرك بالله الواحد فيقول جون لوك وهو من مؤسسى الليبرالية فى رسالته عن التسامح أنه من الممكن أن تتسامح مع كل الأطياف والمعتقدات إلا الملحدين .. لماذا إستثناهم؟ يقول لإنهم يفسودن الجو العام للدولة فهم لا ينتمون لدين فمن الصعب أن تجعلهم ينتمون لوطن فيه أديان أخرى وساواهم بمن هم ليس لهم إنتماء للوطن أصلا .. وهو من مؤسسى الفكر الليبرالى وتراه يحجم فكرة التسامح التى يعتقد بعض الناس أنها من الأفكار المطلقة الغير قابلة للتعديل أو التقييد .. ومن هنا أقول لك بأن مبدأ الحرية والعدالة فى الليبرالية والعلمانية هى ليست مبادىء مطلقة بل هى مبادىء قابلة للإستثناءات والتحجيم

ثانياً .. أحب أن أرد على جملة (عدم وجود دين رسمى للدولة ككيان سياسى) .. صديقى مصر دولة مسلمة وليس هذا معناه أنها دولة إسلامية دينية .. ولكنها دولة إسلامية مدنية وهذا الغائب عن الكثير من العقول فالدولة الإسلامية منذ نشأتها وهى دولة تدار بطريقة مدنية ولا يوجد مصطلح إسمه اصلا دولة دينية .. وبما أن مصر دولة إسلامية مدنية فلا يوجد أى إشكالية فى أن يكون هناك دستور مدنى تسير به الدولة أمورها .. وأحب أن أقول لك أن هناك ما كان يسمى بصحيفة المدينة أيام الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أو دستور المدينة يتكون من أكثرمن 40 مادة لتنظيم العلاقات الداخلية والخارجية وكان هذه المواد لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية فى شىء وكانت الأمور تسير بشكل طبيعى وديمقراطى ولكل شخص حريته كمان سبق وشرحت .. صديقى لا تستمع إلى من يتلاعبون بالدين فهؤلاء بالفعل كما ذكرت رجال دين لا يصلحون كحكام أصلا .. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك فى التاريخ الإسلامى ولكن لا يوجد متسع لذكرها هنا

ملاحظة أخيرة .. لاحظ معى أن المبادىء المكتوبة فى نهاية كلامك كلها مبادىء تهمش الدين وتلغيه من الحياة وهذا يتعارض بعض الشىء عن ما ذكرته فى البداية من عدم الفصل التام .. السياسة والإقتصاد والثقافة وغيرها من المجالات هى أمور حياتية بالفعل .. ولكن لا يمكن تركها هكذا بدون توجيه دينى سليم وإلا تفسد الأمور فكما قلت لك لا يوجد شىء إسمه حرية مطلقة ولا تسامح مطلق فالحدود وإن وجدت فهى ليست لتقوم بوظيفتها كحدود مانعة فقط ولكن هى تقيد حركة الفساد والمفسدين بالنسبة لك ولى ولكل المصريين
(انتهى تعليق الصديق محمد شعبان)
---------------------------
رد المُدَون الليبرالي
الجزء الأول

يجسد تعليقك يا صاحبي لب الاختلاف بين التيار السياسي الديني والتيار الليبرالي العلماني. فبينما يرفض العلمانيون اقحام الدين ورجاله في تفاصيل السياسة، يرى انصار ربط الدين والسياسة ان الدين كفيل بسد كل اعواز الشأن السياسي والمدني.
الحقيقة ان العلمانيين لا ينكرون ابداً مثالية تشريعات الدين واحكامه! انما نعلن ما علَّمه لنا التاريخ: رغم ان احكام الدين على اطلاقها نموذجية، الا ان تنفيذها على المستوى الجمعي مرهون ببشر يخطئون تارة ويصيبون تارة. اي ان نجاح او فشل هذه الشرائع الدينية مرتبطان بالعنصر البشري المنفذ لها. فقد سُقتَ انت من افعال النبي الكريم ادلة على تحقيق مبادئ الليبرالية والعلمانية بالاحتكام الى التشريع الديني، لكننا نُذَكَّرك ان عصر النبوة قد ولى وخُتِمَ، وصارت الدول تحت رحمة بشر لهم اطماعهم واهدافهم ومواءماتهم وحساباتهم. والتاريخ يفيض بادلة صدق هذه الفكرة: ان امر الدين بالعدل ليس ضماناً لتحقيق الحاكمين باسم الدين للعدل فعلاً! فمثلاً، كما اشرت انت الى موقف النبي الكريم من غير المسلمين الذين سمح لهم بالتعبد في ركن من المسجد، نجد انه بعد النبي، زخر تاريخ الخلافة الاسلامية بالمظالم والتمييز، منها على سبيل المثال لا الحصر ما اوردناه في مقالنا "عش الضبابير: رفض الحكم الديني من واقع تاريخ فتح العرب لمصر". ونجد ايضاً ان المسيحية تأمر بوضوح أن: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ (مرقس 17:12)، لكن هذا لم يمنع بابا روما اوربان الثاني عن التعبئة المباشرة للحملات الصليبية بكل حماقاتها، بل اوجد اوربان لتلك الحملات – بقدرة قادر – اسساً دينية ولاهوتية!
خلاصة القول ان التاريخ يثبت فشل تحقيق البشر لقيم الدين العليا على المستوى الجمعي العام (لا المستوى الفردي الشخصي)، بل تحول الدين الى وسيلة لتحليل التمييز والاقتتال والقمع... والتاريخ عامر بالعِبَر، لا يسعها المقال الحالي فاتركها لبحثك ودراستك.
بالنسبة لعبارة جون لوك: لا نتقيد نحن الليبراليين والعلمانيين بتعريفات وتنظيرات المفكرين والفلاسفة، بل ننطلق منها ثم ندرسها ونفندها ونطورها وقد نضيف اليها او نحذف منها؛ فكلامهم ليس وحياً وهم بشر مثلنا، بل قد نتميز نحن عنهم بما لنا من تطور وتقدم في عصرنا وزماننا. اتفق معك تماماً في ان الحرية والعدالة فى الليبرالية والعلمانية ليست مبادىء مطلقة بل هى قابلة للإستثناءات والتحجيم. ولكن يبقى سؤال: ما هي هذه الاستثناءات ومقاييس ذلك التحجيم؟ باختصار، تتقيد حرية الفرد في الليبرالية بحدود من عداه من الافراد، فقط. حقاً، ان روعة الليبرالية في نسبيتها، واستعدادها للتلون وفق اطياف المجتمع الذي ينتهجها. فالليبرالية لن تفرض على مجتمعنا المصري ذي الثقافة الاسلامية اتجاهات دخيلة او غير متناسقة معنا، لكنها في نفس الوقت تتيح لي فرصة الاختلاف مع اطر مجتمعي الفكرية ان اردت. اما ان رأى جون لوك في زمانه غير ما نرى اليوم، نشكر له اجتهاده الفكري، ونقول له قد تغير الزمن وتطورت معطيات الفكر البشري وخبرات الانسانية، ولنا ان نرفض من نظرياته ما ينافي ظروف عصرنا، ونقبل ما يناسبنا، ونضيف لها ما تفتقر اليه!
اما مقولتك ان الملحدين "يفسدون الجو العام للدولة فهم لا ينتمون لدين فمن الصعب أن تجعلهم ينتمون لوطن فيه أديان أخرى وساواهم بمن هم ليس لهم إنتماء للوطن أصلا"، فاسمح لي ان افندها بدون جدال وتنظير وثرثرة، مكتفياً بذكر عدة اسماء لملاحدة، واترك لك تقييم مدى تكديرهم للسلم العام وعدم الانتماء لاوطانهم:
  • Mark Zuckerberg، مؤسس فيسبوك، تلك الشبكة الطفرة في تاريخ التواصل الانساني، والتي لعبت دورها الرهيب في اشعال الربيع العرب
  • Stephen Hawking، عالم الفيزياء الكونية، احد عباقرة ايامنا الراهنة
  • James Watson، الذي فك شفرة الحمض النووي فاتحاً الباب امام علوم الوراثة والجينات وتطبيقاتها العواعدة – الانجاز الذي منحه جائزة نوبل عام 1962
  • Jawaharlal Nehru، مؤسس الهند الحديث وراعي استقلالها النهائي عن بريطانيا وواضع حجر اساس ديمقراطيتها
  • Richard Strauss، الموسيقار الالمان الفذ الذي وضع اولى مقطوعاته في سن السادسة، وكتب اوركسترات تنتقد هتلر والنازية وقت ان كان وزير الثقافة في المانيا النازية وتحت امرة هتلر نفسه
  • Sigmund Freud، ابو التحليل النفسي الحديث
  • Giuseppe Garibaldi، موحد ايطاليا في شكلها الذي نعرفه اليوم
  • Thomas Edison، صاحب ما يزيد على الـ 1000 اختراع، على رأسها المصباح الكهربائي
  • Albert Einstein
وغيرهم المئات ممن لا يتسع الوقت لذكرهم، واتركهم ايضاً لبحثك يمكنك مطالعتهم هنا. لكن الرسالة واضحة: باطل هو القول بأن الدولة الدينية ضرورة لحماية البشرية من تكدير وتخريب الملحدين!
الجزء الثاني
اتفق معك فيه تماماً، لكنني انوه ان هنالك من ينادون الآن بالاعداد لاحياء الخلافة، ويجاهرون برغبتهم في تقنين منع المرأة والاقباط من تولي مناصب معينة في الدولة، ويسكتون راضين عن حل النزاعات الطائفية بجلسات عرفية انتهت بهضم حق الضحية غير المسلم (مثلاً، واقعة قطع اذن القبطي بقنا، هدم كنيسة اطفيح، تهجير عائلات الاسكندرية). العلمانية ليست ضد المجتمع الاسلامي (او اي دين)، انما هي ضد الدولة الدينية اياً كانت. تركيا مثلاً دولة علمانية مجتمعها مسلم. انجلترا دولة قوانينها علمانية لكننا رأينا مسيحية مجتمعها جلية في حفل زواج الامير ويليام – وهكذا.
الجزء الثالث
كي لا اطيل عليك اكثر من هذا، ارد على هذه الجزئية بقائمة اخرى تحوي اسماء عدد من الدول العلمانية، ولك ان تحدد هل "امورها فاسدة"، على حد قولك، لأنها علمانية، ام انها دول نحاول كلنا الوصول الى مستوى علمها واقتصادها ورقيها وقوتها على الساحة الدولية!
  • البرازيل
  • كندا
  • الولايات المتحدة الامريكية
  • الصين
  • الهند
  • اليابان
  • كوريا الجنوبية
  • تركيا
  • فيتنام
  • فرنسا
  • المانيا
  • اسبانيا
  • السويد
  • استراليا
ولا ننكر طبعاً ان كثيراً من هذه الدول يشهد اشكالاً متفاوتة من الانحلال الاخلاقي، لكنه لم يرتبط بعلمانيتها انما بماديتها الشديدة منذ الحربين العالميتين. واقول ان الفضيلة والخلق الحميد لا يمكن فرضهما بقوة القانون، فحتى الجرائم لا يمنعها القانون، انما يعاقب عليها وحسب! وعلى النقيض الآخر، لا نجد دولة واحدة ممن تسمي نفسها "دينية" صحيحة الديمقراطية او مثالية الاخلاق، بل على العكس! فطبقاً لهذه  الاحصائية، نسب البحث عن كلمة sex على الانترنت عام 2006، كانت كالآتي:
  1. باكستان
  2. الهند
  3. مصر
  4. تركيا
  5. الجزائر
  6. المغرب
  7. اندونيسيا
  8. فيتنام
  9. ايران
  10. كرواتيا
أي من العشر دول الاكثر بحثاً عن المواقع الجنسية على الانترنت، نجد 6 دول تصف نفسها بأنها "اسلامية"!
اخيراً، مشكلة الدولة التي ترفض العلمانية وتلجأ لتطبيق تشريع ديني دون غيره، ان الفوارق بين المخالف للشرع الديني (غير المؤمن بدين الدولة) وبين المخالف للشرع المدني (المجرم) تذوب شيئاً فشيئاً. العلمانية ترفض فرض رؤية دينية واحدة على مجتمع تتعد رؤاه الدينية، وترفض ان تؤثر المؤسسات الدينية في مجريات الشئون السياسية. اما النطاق الاخلاقي والقيمي للمجتمع، فهذا دور المؤسسة الدينية. تضع الدولة العلمانية قانوناً واحداً ملزماً للكل، بغض النظر عن اي اعتبارات لاختلاف التفاصيل بين هذا الدين وذاك، تاركة تلك التفاصيل للمواطن يلتزم بها امام  المؤسسة الدينية.
هذا اذاً ردي، حاولت اختصاره قدر المستطاع، وارحب بنقدك له وردك على ايٍ مما جاء فيه، مؤكداً انه لولا اختلاف الآراء لضمرت العقول، ومتمنياً ان تحظى مصرنا بالجو الفكري الصحي والنقي الذي يسمح لكلينا بهذا الاختلاف الفكري الراقي والمناظرة العقلانية المنعشة.


Friday, February 24, 2012

الماسونية - مخطط صهيوني لتملك العالم؟ اقرأ هذا المقال

لفظة الماسونية مولدة من الانجليزية Freemasons، اي البنَّائون الاحرار، او للدقة "الحجَّارون" الاحرار.
الماسونية منظمة اخوية (كالاخوان المسلمين مثلاً)، نشأت اواخر القرن الـ 16 – اوائل الـ 17، وتنتشر الآن في جميع أنحاء العالم، ويقدر عدد اعضائها بنحو 6 مليون فرد.

مبادئ الماسونية وانشطتها

بينما يشاع عن الماسونية انها "جماعة سرية"، يفضل الماسونيون وصفها بأنها جماعة "صفويةاذ ان بعض جوانبها سرية لا يطلع عليها غير الماسونيين انفسهم، لذا فهي "جماعة ذات اسرار" لا "جماعة سرية"؛ ولا تزيد تلك "الاسرار" عن كونها وسائل وعلامات التعارف بين الاعضاء، والطقوس التي يتبعونها في تنظيم اجتماعاتهم ولقائاتهم. يتمركز شغل الاخوية الماسونية الاساسي حول العمل الخيري في نطاق المجتمع المحلي او الدولي، والسعي وراء الاستقامة الاخلاقية (والتي تشمل كشرط اساسي الايمان بذات الهية، اياً كانت الديانة المتبعة)، فضلا عن تنمية وتوطيد "الصداقة الاخوية" بين الاعضاء، او "الاخوة".

طقوس
ورموز الماسونية

تتبع اجتماعات الماسونيين نسقاً منظماً، او "طقسياً". لا يوجد "طقس ماسوني" محدد، انما تضع كل ادارة اقليمية لنفسها طقوسها الخاصة، او تتجاهل موضوع الطقوس هذا كلية. ومع ذلك، هناك عدة "طقوس" مشتركة بين كل امانات الماسونية الاقليمية. على سبيل المثال، يتفق الماسونيون كلهم على استخدام ادوات بنَّائي وعمال محاجر العصور الوسطى كرمز لهم (ومن ثم الاسم، "البنائون الاحرار")، اذ يعتبر الماسونيون انفسهم "بنائون" في صرح الفلسفة. وعلى رأس هذه الادوات/الرموز نجد الزاوية والبرجل. تشرح بعض الكتابات الماسونية معنى هذه الأدوات بأن الماسوني "يضبط اعماله على زاوية الفضيلة" و "يحفظ رغباته و مشاعره داخل اطار يرسمه بَرْجل الواجب تجاه البشرية جمعاء". لكن، بما ان الماسونية ليست نظاماً عقائدياً، لا يوجد تفسير واحد مُلزِم لرمزية هذه الأدوات (او اي من شعارات ورموز الماسونية) يلتزم به الجميع.
تُقَدَّم هذه المبادئ والعبر الاخلاقية من خلال "طقوس" رمزية، ويتدرج المتقدم لعضوية الماسونية في الرتب باكتساب المعرفة والفهم، عن نفسه وعلاقته بغيره من البشر، وعلاقته بالذات الالهية (او "الكائن الاسمى" كما يسمونه في اعراف الماسونية). وبينما يميل الماسونيون الى قصر مناقشاتهم الفلسفية على محافلهم وفي اوساطهم، توجد اصدارات ومنشورات غير رسمية باقلام ماسونيين، على درجات متفاوتة من الكفاءة، في متناول الجمهور العام. يجوز لأي ماسوني التكهن بشأن رموز ومعاني الماسونية، بل هو مطلوب من كل الماسونيين تقديم اجتهاداتهم في شأن معانى الماسونية او فلسفتها كشرط للتدرج في المراتب داخل الاخوية. لا يوجد معنى ممنهج محدد لفلسفات الماسونية وفكرها، وليس هناك "متحدث رسمي" باسمها.
خلاصة القول ان كل رموز وطقوس الماسونية لا تتعدى كونها استعارات من أدوات الحجارين والبنَّائين، للتعبير عما يصفه الماسونيون ومنتقدوهم على حد سواء بأنه "نظام اخلاقي مُحَجَّب بالرمز وُمعَبَّر عنه بالرمز".


من اشهر رموز الماسونية، يظهر فيه البرجل والزاوية، وحرف G يرمز لكلمة God (الله) و Geometry (الهندسة)، تعبيراً عن وصف الماسونية للـ "كائن الاسمى" بأنه مهندس الكون الاعظم

العين الماسونية، رمز لعين الـ "كائن الاعظم" التي ترى كل شئ وشخص في كل حين

الماسونية والدين

تعلن الماسونية بشكل واضح وصريح انها ليست ديناً ولا بديلاً عنه، اوكما يقولون "لا يوجد اله ماسوني مستقل". وكما ذكرنا، تتضمن شروط التقدم لعضوية الماسونية الايمان بالكائن الاسمى، وان كان تفسير هذا المصطلح من حيث طبيعة تلك الذات الالهية يخضع لضمير وفهم "الأخ الماسوني"، ولكن ليس مطلوباً من "الأخ الماسوني" شرح او تفسير طبيعة فهمه للذات الالهية. وبناء على ذلك، تقبل الماسونية الرجال من مختلف الخلفيات العقائدية، مثلاً وليس حصراً البوذية والمسيحية والهندوسية والإسلام واليهودية والسيخية. جدير بالذكر ان مناقشة الدين والسياسة بالذات ممنوعة في اي محفل ماسوني، ومن اسباب ذلك تجنب اضطرار الماسوني الى تقديم تفسير لايمانه الشخصي. وبهذا، قد تعني عبارة "الكائن الأسمى" الثالوث لماسوني المسيحي، او الله لماسوني مسلم، او البراهمان لماسوني هندوسي والخ. وفي الطقوس الماسونية، ويشار إلى "الكائن الأسمى" بأنه "مهندس الكون الاعظم"، انطلاقاً من استخدام الترميز المعماري المعتاد في الماسونية. كما تستخدم الماسونية تعبير "كتاب الناموس المقدس" كمصطلح عام لأي لكتاب ديني.

وقد تعرضت الماسونية للهجوم من الدول الدينية والأديان المنظمة معاً، اذ اعتبروها في موضع الزندقة والخروج عن الدين او المنافسة معه؛ هذا الى جانب كون الماسونية هدفاً لنظريات المؤامرة، التي تقدم الاخوية على انها مؤسسة غامضة وقوة شر.

الإسلام والماسونية

يربط بعض منتقديها المسلمين بين الماسونية والدجال، وان كان الاتهام الرئيسي الذي يوجه للماسونية في البلاد المسلمة هو تعزيز مصالح اليهود في انحاء العالم، والسعي لاعادة بناء هيكل سليمان في القدس على انقاض المسجد الأقصى. مثلاً، تعتبر حركة المقاومة الاسلامية حماس ان الماسونية والروتاري ومجموعات أخرى مماثلة تعمل مباشرة لصالح الصهيونية ووفقا لتعليماتها، وفي باكستان، في عام 1972، حظر ذو الفقار علي بوتو الماسونية وصادر جميع مؤلفاتها وحل التنظيم باكمله في باكستان. وفي العراق، مُنَعَت الماسونية منذ يوليو 1958 بعد قيام الثورة والغاء النظام الملكي واعلان الجمهورية، ووصلت عقوبة الماسونية الى الاعدام في عهد صدام حسين، على اعتبار انها تنشر مبادئ الصهيونية وترتبط بمنظماتها. هذا وان كانت عدة بلدان مسلمة، مثل تركيا والمغرب ولبنان وماليزيا، تسمح بدرجات متفاوتة من انشطة الماسونية على اراضيها.

المسيحية والماسونية

تستند الاعتراضات التي تقدمها الكنائس المسيحية (الكاثوليكية والارثوذوكسية والبروتستانتية) على الادعاء بأن الماسونية تعلم ديناً ربوبياً  (دين يعترف بذات الهية خالقة فقط دون عقيدة متصلة)، والاعتقاد بأن الماسونية متورطة في السحر والتنجيم وربما الشيطانية، معتبرين أن الماسونية لا يمكن ان تتوافق مع المسيحية طالمت بقت منظمة سرية، يلف نشاطها الغموض والسرية، وتؤله العقلانية – على حد قولهم.
لم تنشغل الماسونية كثيراً بالرد على المزاعم المذكورة اعلاه، مكتفية بتصريحها الواضح أن "الماسونية ليست ديانة، ولا بديلاً عن الدين، وليس هناك إله ماسوني مستقل"، وان ظهرت في السنوات الاخيرة عدة مواقع ومنشورات ماسونية تتصدي لهذه الانتقادات وتفند ادعاءاتها.

الانشطة الخيرية

تشارك الاخوية الماسونية في نطاق واسع من الانشطة والخدمات الخيرية والمجتمعية. يتم جمع المال فقط من رسوم العضوية، ويُكرس فقط للاغراض الخيرية. تتعدد المؤسسات الخيرية الماسونية، ما بين دور الإيواء أو الرعاية التمريضية، والتعليم والمنح التعليمية، والخدمات الطبية.

المعارضة السياسية

من التزامات الماسونية الاساسية، تعهد الاخ الماسوني بأن يكون مواطناً هادئاً مسالماً، يحترم الحكومة الشرعية في البلد الذي يقطنه، وبعدم تأييد او تشجيع أي شكل من اشكال التمرد. ومع ذلك، يدور قدر كبير من الهجوم السياسي على الماسونية حول كونها مهيجة للثورات والانقلابات، كما شهد التاريخ اتهامات عكس تلك تماماً: ان الماسونية تثبط العزائم والهمم وتنهى عن الثورة والانتفاضة! وقد ارتبطت الماسونية بنظريات المؤامرة و"النظام العالمي الجديد" و"جماعة المتنورين Illuminati"، وهي نظريات تفترض ان الماسونية جزء من مخطط يطمع في السيطرة على العالم او هو بالفعل مسيطر سرا على مجريات السياسة العالمية. وليس ادل على وهمية تلك الاتهامات من كونها قد وُجِهَت للماسونية من جميع الاطراف السياسية دون استثناء، بل قد اتُهِمَت الماسونية احياناً بالشئ ونقيضه؛ فقد لاقت الماسونية مساعٍ قمعية من اليمين المتطرف (المانيا النازية مثلاً) و اقصى اليسار (الدول الشيوعية سابقاً في اوروبا الشرقية)، كما لاقت الماسونية الاستحسان باعتبارها من مؤسسي الديمقراطية الليبرالية، ولاقت الهجوم باعتبارها من مناهضيها (كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية)!

تعقيب

تفترض نظرية المؤامرة ان الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي نتاج مؤامرات سرية غير معروفة لعامة الناس، وبهذا تكون الشعوب عاجزة عن السيطرة الكاملة على مصائرها ومجريات شئونها. وليس خفياً اننا قد ادمنا تلك النظرية، ورأيي ان ذلك ما هو الا وسيلتنا لتبرير تكاسلنا وتواكلنا، وعجزنا في هذا العصر ان نخلق لانفسنا هوية تعطينا قيمتنا بين دول العالم. وما هوية اي مجتمع الا نتاج مخرجات الكيان المجتمعي المعني، من فكر او علم او ثقافة الخ. فبدلاً من ان نستنهض انفسنا ونعمل ونكد ونبحث وندرس ونبتكر، نعيش على خيرات العالم المتقدم – بما في ذلك الثروات المعدنية التي نصدرها، والتي اكتشفها لنا الغرب – ملقين مسئولية تأخرنا على الماسونية او المؤامرة الكبرى او الخطة الخبيثة، لا على تقاعسنا وتقصيرنا!


اضغط هنا لمطالعة مراجع الدراسة والرموز.

Monday, February 20, 2012

عش الضبابير: رفض الحكم الديني من واقع تاريخ فتح العرب لمصر

لماذا هذا الموضوع الشائك؟

لم يعد خفياً علينا نحن المصريين ان وطننا مقبل على حكم ديني. ولم تعد قضية الليبراليين الآن الدعاية لفلسفتهم السياسية واحياء روح ميدان التحرير طوال الـ18 يوم، بل صارت التنبيه الى الأهوال المحتمل وقوعها حين ترزخ البلاد فعلياً تحت نير الحكم الديني. بات جلياً ان روح ميدان التحرير الليبرالية الاصيلة التي ضمت اطياف الشعب المصري كلها دون تمييز (فما الليبرالية الا تعايش الاطياف كلها معاً وجنباً الى جنب دون تفضيل فئة على اخرى بسبب معتقد او عرق او... الخ) قد ذهبت الى حين، وواجب قوى الحرية والمساواة الآن التذكرة بها والعمل على ابقاء شرارتها مشتعلة داخل القلوب والعقول.

 التاريخ الانساني عامر بالأمثلة المؤكدة على ان الحكم الديني مآله التمييز والعنصرية ثم الفاشية. ولكن لأننا امة لنا هويتنا الخاصة، التي يرفض البعض على اساسها اعتبار خبرات الدول المتقدمة، فلنلتفت اذاً الى تاريخنا نحن، عسانا نجد فيه العبر والمواعظ.

من الادعاءات التي صدع رجال الاسلام السياسي رؤوسنا بها، فرية ان الحكم الاسلامي لمصر بدءاً من الفتح العربي (القرن 7 الميلادي) وحتى نهاية الخلافة وبدء الاحتلال الانجليزي (القرن 19 الميلادي)، كان في اغلبه حكماً رشيداً وعصراً ذهبياً، وان بعث الحكم الاسلامي علي ايديهم سيكون الضمان الجديد لتحقيق المجتمع الموزون وضمان حقوق الاغلبية والاقليات، كما كان الوضع قديماً.

لذا فقد رأيت ان آخذ لمحة من تاريخ الحكم الاسلامي لمصر والذي يسعون لتأسيسه من جديد، كي اعرف النموذج الذي يريدونه لنا، ومن اجله يخونوننا ويكفروننا نحن الليبراليين والعلمانيين. ولعمري لا اعلم لِما يصر الاسلاميون على تصويرنا كأعداء للإسلام. معارضتنا ليست للاسلام، ولا لشريعته، بل كل رفضنا هو لفرض رؤية فئة معينة الدينية على جموع الشعب كله!

اعتمد في دراستي هذه على كتاب "فتح العرب لمصر" (اضغط لتحميله)، تأليف ا. ج. بتلر، من نشر المركز العربي للنشر والتوزيع عام 1932.
وقبل ان يقفز احدهم ليدق عنقي اذ انني استعين بكتابات المستشرقين الكفار اعداء امة الاسلام في دراستي، لذا تبطل حججي، اقرأ معي ما كتبه مُعَرِّب الكتاب محمد فريد ابو حديد (من هو؟ اضغط هنا) في تقديمه للطبعة العربية الاولي من ذلك الكتاب:
"من حق هذا الكتاب أن ينقل إلى العربية منذ ظهر فإنه يسد ثلمة في تاريخ العرب ما كان ينبغي لها أن توجد"
"مؤلف الكتاب رجل باحث لم يقصد من تأليف كتابه إلا بيان الحقيقة ناصعة، فلم يكن ممن يذهبون في التأليف إلى غرض من دعاية دينية أو سياسية، ولا ممن يتسترون بالعلم من أجل غرض يخفيه، بل كان نزيهاً في بحثه. ومثل هذا البحث لا يدركه القراء حق إدراكه، ولا يقدره الناس حق قدره، إلا إذا كان الجو المحيط بهم جو بحث وراء الحق، ودرس لإجلائه، والإبانة عنه"
"مؤلف الكتاب يذكر حوادث التاريخ ذكر القاضي الناقض، لا يعبأ أين تميل به الحجة، لأنه لا يقصد إلى نصر فئة ولا الدعاية لشعب، بل يذكر ما كان في الماضي، ويوضح ما فيه من الوسائل من غير أن تكون في نفسه مرارة، وأن يكون في حكمه زيغ"
"نراه أقرب إلى التمحيص، وأحرى بأن يكون قد أصاب القصد"

فهي اذاً شهادة من اديب جليل لموضوعية وصدق ما ساورده من اقتباسات من كتاب "فتح العرب لمصر".

وليس مقالي هجوماً على الفتح الاسلامي ولا ذماً – فالفتح الاسلامي مكوِن من مكونات الشخصية المصرية في شكلها الحالي وجزء اصيل من تراثنا – انما هو سرد لحقائق، وهدفي من سردها واحد واضح:

 يستحيل بناء دولة باسم دين دون التمييز ضد مَن لا يعتنقون هذا الدين، ويتكاثر التمييز ويتضخم حتى يصير اضطهاداً، فيضطر الحاكم باسم الدين الى التسلط حتى يقمع الاصوات الحرة المعترضة على ذلك التمييز او الاضطهاد، فتسقط الدولة صريعة في بئر الفاشية والسلطوية!

وليس سردي للوقائع بين الفاتحين المسلمين واهل البلد آنذاك المسيحيين مدخلاً لتقسيم تاريخ مصر الى "مسلم" و"مسيحي"، ولا هو دعوة للقارئ كي ينظر الى قضيتنا بالنظرة تلك. ادعو القارئ الى اعتبار الاحداث بين الفئة س الحاكمة باسم الدين، والفئة ص التي لا تعتنق دين الحكام – وحسب. ولأجل الوضوح، لو كنا في دولة اوروبية تواجه خطر الحكم الديني المسيحي تحت احزاب يمينية، لكانت هذه التدوينة عرضاً لدموية حكم باباوات روما!

ملحوظة اخيرة: بعد كل اقتباس من كتاب "فتح العرب لمصر" يوجد رقم بين قوسين، هو رقم الفصل الذي وردت فيه العبارة، كي يتمكن القارئ من مراجعة الوقائع بنفسه. الاقتباسات بالخط الغليظ، وتعليقاتي بالخط العادي.
------------------------------   
"روى المقريزي وأبو المحاسن أن قبط الفرما ساعدوا العرب أثناء الحصار (اي حصار العرب للفرما)، ولكن ذلك غير صحيح، ولعل هذا رجوع إلى القصة القديمة التي تعزو إلى القبط ظلماً مساعدتهم للفرس. ولم يرد ذكر لهذه المساعدة في كل ما كتب قبل القرن الرابع عشر. ولعل ما ذكرناه من أخذها عنوة يكفي لتفنيد هذا الزعم. ولو ساعد القبط العرب لما أحرق هؤلاء السفن وهدموا الحصن، ولما فعلوا ما فعله الفرس من قبلهم من تخريب الكنائس الباقية في الفرما. ولنا فوق ذلك دليل آخر هو ما قاله (حنا النقيوسي) في ديوانه، وكان حنا من الأحياء قرب ذلك العهد. قال: إن القبط لم يساعدوا المسلمين إلا بعد أن استولوا على الفيوم وإقليمها. ولسنا ندري على التحقيق في أي وقت كان هذا، ولكن من الجلي أنه لم يكن إلا بعد فتح حصن (بابليون)، ولم تكن تلك المساعدة إلا مساعدة قليلة لا تعدو بعض الأمور." (15)

"بلغوا مدينة اسمها البهنسا ففتحوها عنوة وقتلوا من وجدوا بها من رجال ونسوة وأطفال." (16)

"فتحوا مدينتي (الفيوم) و(أبويط)، وأحدثوا في أهلها مقتلة عظيمة." (16)  

"بعد أن قال (حنا النقيوسي) إن العرب فتحوا المدينتين الكبيرتين (أثريب) و(منوف) وملكوا ريفهما وبسطوا سلطانهم على إقليم مصر كله، قال: إنهم لم يكفهم هذا بل أمر عمرو أن يؤتى بالحكام من الروم مجموعة أيديهم في الأصفاد وأرجلهم في القيود، ثم أخذ من الناس أموالاً عظيمة وضاعف عليهم الجزية، وأمرهم أن يأتوا له بالأعلاف لخيله وظلمهم ظلماً كثيراً. وليس من العجيب أنه بمثل هذه الشدة قضي على كل مقاومة وجعل الناس لا يعصون له أمراً، لكنا لا نجد كلمة واحدة تدل على أنه قد كان بين أهل مصر مَن كان لمجئ المسلمين في قلوبهم إلا وقع الخوف والرعب." (16)

"وبذلك خرج أهل مصر من عهد المقوقس (قيرس) واضطهاده الذي عصف بهم عشر سنين إلى عهد آخر من الخوف والفزع." (16)

"ثم دخل العرب (نقيوس) من غير مقاومة إذ لم يكن فيها جندي واحد يقف في سبيلهم، ومع ذلك فقد أوقعوا بأهلها وقعة عظيمة. قال حنا النقيوسي: فقتلوا كل من وجدوه في الطريق من أهلها ولم ينج من دخل الكنائس لائذاً ولم يدعوا رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً. ثم انتشروا فيما حول نقيوس من البلاد فنهبوا فيها وقتلوا كل من وجدوه بها." (19)   

"يذكر (البلاذري) رواية عن أحد ولد الزبير أنه قال: لقد أقمت في مصر سبع سنوات وتزوجت فيها وكان الناس فيها يفرض عليهم من الأموال ما لا طاقة لهم به، فآذاهم ذلك، مع أن عمرو بن العاص كان قد عقد لهم عهداً جعل لهم فيه شروطاً معلومة." (21)

"أرسل (حاكم مدينة اسمها إخنا ليست بعيدة عن الاسكندرية) إلى عمرو يطلب الاجتماع به، فسأله عن مقدار الجزية. فلم يطق قائد العرب احتمال هذه المراجعة وأشار إلى كنيسة قريبة وقال: لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك إنما أنتم خزانة لنا، وإن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم." (22)

فرغم ان الأديان تنهى عن مثل ذلك البطش والنكوص عن العهود المذكور اعلاه، الا ان الحروب والمعتركات السياسية لها املاءاتها ومعطياتها المتبدلة والمتغيرة – فلِمَ نورط الدين فيها؟ الا يصير التناحر هكذا باسم وبسبب الدين، فتُنسب جرائم وافتراءات الرجال للاديان؟! وايضاً، يصعب ان تزرع في مواطن انه الافضل والاغلى والاولى بحكم اتباعه دين الدولة، ثم تتوقع منه ان ينظر الى من يخالفه العقيدة نظرة الند المساوي له! الطبع البشري معروف وغلاب، وبالضرورة سيسئ "المؤمن" لـ"غير المؤمن" بشكل او بآخر؛ ففي الدولة الدينية، تذوب الفوارق شيئاً فشيئاً بين المخالف للشرع الديني (غير المؤمن بدين الدولة) وبين المخالف للشرع المدني (المجرم)!


ثم يصف الكاتب الجيش الذي خرج من الفرما (بورسعيد حالياً) في بدايات الفتح متجهاً الى اعماق مصر: "لم ينقص عدد جيشه إذ لحق به من البدو من عوّض الذين قتلوا في المناجزة الأخيرة أو لقد زاد عليهم، وقد لحق به هؤلاء البدو حباً في القتال وطمعاً في الغنيمة." (15) ولم يعد الجيش خالصاً لوجه الله، بل اصبح ذا مطامع توسعية ايضاً.

"وقد جلس القبط إلى جانب العرب فجعل العرب ينهشون اللحم نهشاً حتى بشع القبط ذلك وعادوا بغير أن يأكلوا. فلما كان اليوم الثاني أمر عمرو قوامه أن يأتوا بألوان الطعام في مصر، وأن يهيئوا منها وليمة عظيمة، ففعلوا ذلك وجاء أهل مصر فجلسوا إلى ذلك الطعام وأصابوا منه فلما فرغوا من أكلهم قال عمرو للقبط (كما اورد الطبري): إنني أرعى لكم من العهد ما تستوجبه القرابة بيننا، وقد علمت أنكم ترون في أنفسكم أمراً تريدون به الخروج، فخشيت أن تهلكوا. فأريتكم كيف كان العرب في بلادهم وطعامهم من لحم الجزر، ثم حالهم بعد ذلك في أرضكم وقد رأوا ما فيها من ألوان الطعام الذي قد رأيتم. فهل تظنون أنهم يسلمون هذا البلد ويعودون إلى ما كانوا فيه؟ إنهم يسلمون قبل ذلك حياتهم ويقاتلونكم على ذلك أشد القتال، فلا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة وادخلوا في الإسلام، أو ادفعوا الجزية وانصرفوا إلى قراكم. وهذه القصة العجيبة إذ أنها تظهر جانباً آخر من الخلق يختلف عما سمعناه من قول عبادة ابن الصامت من احتقار هذه الحياة ونعيمها." (19)

في ما سبق دليل آخر على انه يكاد يستحيل، على ارض الواقع، تحقيق فكرة "الحكم الديني لوجه الله". سيشوبه بالضرورة طمع مادي او طموح دنيوي او سعي وراء جاه – والطامة الكبرى السعي وراء الماديات واستحلالها تستراً بالدين!

واخيراً، تتحول الدولة الدينية الى دولة فاشية مبنية على التمييز البحت بين اتباع دين الدولة ومَن لا يعتنقونه:

"نجد منذ القرن العاشر أن دفع الجزية تقيد بنوعين من الشروط: فالنوع الأول من هذه الشروط ما يجب لزومه واتباعه في كل الأحوال، والنوع الثاني ما يكون لزومه وإتباعه بحسب شروط العقد إن وجد. وأما الأمور التي يتبع فيها شروط العقد فهي:
  1. أن يلبس أهل الذمة لباساً يميزهم ويعقدوا الزنانير على أوساطهم.
  2. ألا يعلو في بنيانهم على المسلمين.
  3. ألا يؤذوا المسلمين بقرع نواقيسهم ولا بترتيلهم في صلاتهم ولا بما يرون في عقائدهم سواء في ذلك اليهود والنصارى.
  4. ألا يبدوا صلبانهم ولا يشربوا الخمر جهاراً ولا يظهروا خنازيرهم.
  5. أن تقام مآتمهم بغير احتفال وتدفن موتاهم كذلك.
  6. أن يركب أهل الذمة البراذين والخيول المعتادة وأن يتجنبوا ركوب الأصائل.
هذه الأخبار عن الماوردي وقد كتب في النصف الأول  من القرن 11 ومات في سنة 450هـ أي سنة 1058م وكتابه "كتاب الأحكام السلطانية" أكبر حجة في موضوع الضرائب في العصور الأولى." (28)

"قال الماوردي: إنه لا يحق لأهل الذمة أن يتخذوا لأنفسهم كنائس أو بيعاً جديدة في دار الإسلام، فإذا بنوا لأنفسهم ذلك هدم." (28)

وليس ما سبق بعيداً عنا، فقد سمعنا الاصوات المعلنة رفضها لتولي المرأة او غير المسلم رئاسة الجمهورية، وسمعنا الاحزاب التي رفضت مجرد تهنئة غير المسلمين باعيادهم لأن في التهنئة "اظهار للكفر". والبقية تأتي!

 فلا اجدن اذاً تعليقاً على مزحة "امان" غير المؤمنين على انفسهم في الدولة الدينية، مع بعض الفروقات البسيطة بينهم وبين المؤمنين بحكم "كفرهم"، الا تعليق ا. ج. بتلر نفسه في كتابه:

 "فالحق أن الأمن في الدين إذا كان مقترناً بأن يكون الرجل مهيناً بين الناس، وأن يحتمل ثقلاً في ماله، لم يكن أمناً حقيقياً ولا باقياً."




Friday, February 17, 2012

البرادعي وانجيلينا جولي وفيلمها: رأي وَرَد

هذه تدوينة للرد على مقال بقلم الفاضل ضياء احمد (هنا)، قرأته على صفحات فيسبوك، يهاجم فيه البرادعي وانجيلينا جولي وفيلمها الذي سلّم لها البرادعي جائزة عنه في مهرجان السينما من اجل السلام في برلين. هي تدوينة في سبيل الحوار الفكري الراقي، اختلف فيها مع رأي الكاتب احمد ضياء، بعد التعبير عن كامل احترامي لشخصه.




الجزء الاول: التحليل التاريخي

وضح استاذ ضياء الخلفية التاريخية لأحداث حرب البوسنة والهرسك على انها "بين الصرب الأرثوذكس من جهة وبين البوسنة والهرسك المسلمين من جهة أخري"، وهو تقديم لجزء من الحقيقة لا الكل. فقد بدأ الصراع بين  الصرب الارثوذوكس من جهة، ومن جهة اخرى مسلمي البوسنة والكروات الكاثوليك. ولم يكن الصراع دينياً على الاطلاق، بل كان ناتجاً عن تقسيم يوغوسلافيا، حينما اجرت "جمهورية البوسنا والهرسك" استفتاءاً للاستقلال، ونالت استقلالها فعلاً.كانت البوسنة والهرسك تتكون حينذاك من مسلمي البوسنة (44%)، والصرب الارثوذوكس (31%)، والكاثوليك الكروات (17%). وقد قاطع قادة الصرب ذلك الاستفتاء وبالتالي رفضوا نتيجته، فكانت الحرب الناتجة عن ذلك الموقف. حمل الصرب حملتهم طمعاً في الاستيلاء على ارض يجعلونها دولة للصرب، معتدين على الكروات (الكاثوليك)، والبوسنيين (المسلمين). توالت الاحداث، ثم سرعان ما اراد الكروات ارضاً مستقلة لهم ايضاً، فاتفقوا مع الصرب على تقسيمة ترضي الطرفين، فدارت دائرة الحليفين الجديدين الكروات والصرب على البوسنيين. عانى البوسنيون من جرائم حرب بشعة، اقلها التهجير القصري من دورهم ووصلت الى الاغتصاب الجماعي لنسائهم بل التطهير العرقي والذي فضحه عشرات المقابر الجماعية. 



اذاً لم يكن ابداً صراعاً دينياً او اضطهاداً، بل كان نزاعاً سياسياً على اسس عرقية. وقد تبادلت حكومات البوسنة وكرواتيا والهرسك الاعتذارات الرسمية واعلانات الصلح الرسمي في الفترة ما بين 2004 و2010.

كما ذكر الكاتب مَن "تجاهلوا شعب البوسنة الأعزل المسلم الذى تمت أبادته بتواطؤ عالمي بزعامة غربية"، وهي ايضاً عبارة تعوزها الدقة التاريخية.  فقد تشكلت عام 1993 المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، بالقرار 827 لمجلس امن الامم المتحدة، للتحقيق والحكم في جرائم حرب البوسنة والهرسك، موجهة تهم القتل الجماعي والتطهير العرقي لـ 45 قائد صربي و12 قائد كرواتي و4 قادة بوسنيين. اما على المستوى الشعبي، فقد صدرت عشرات الافلام من هوليود مؤرخة لفظائع الصرب في تلك الحرب، منها على سبيل المثال Savior (1998) و Behind Enemy Lines (2001) و The Hunting Party (2007)، واخيراً الفيلم المعني In The Land of Blood and Honey (2011).




الجزء الثاني: تحليل الفيلم

لم اشاهد الفيلم بعد، اذ انه طُرح عرضاً محدوداً حتى في الولايات المتحدة نفسها، لكنني اعرض قصته وفق عدة مراجع، منها:

قال الكاتب: "تدور قصة الفيلم عن هذه الحرب، ولكن من الجانب الحيواني اللاديني الذى تهتم هي وأمثالها به، فتصور قصة حب -قصة عهر- نشأت بين فتاة "بوسنية مسلمة" وجندى "صربى مسيحي" بعد أن قام بإغتصابها! وكيف أنهم يحاولون النجاة بحبهم وسط الحرب".


لا اعلم مَن هم "هي وامثالها"... هل هم الممثلون عامة؟ ام الممثلات الشقراوات؟ أم مخرجات الافلام السينمائية؟ ام زوجات نجوم هوليوود؟ لا اعلم! ولكن ليست هذه قضيتنا. وكيف تكون القصة لا دينية بينما بطلاها مسيحي ومسلمة وليسا ملحدين او "لا دينيين"؟ واين الحيوانية في قصة حب جمعت بين رجل وامرأة؟


الصحيح ان سيناريو الفيلم يدور حول قصة حب بين البطلين نشأت قبل الحرب، وتنبع الدراما من كون البطل مقاتلاً صربي يتصادف ان تقع البطلة البوسنية اسيرة في المعتقل المنوط هو بحراسته، وهو المعتقل الذي يتم فيه اغتصاب الاسيرات جماعياً، امام اعين المقاتل الصربي. ويدور الصراع النفسي بين الخضوع لاملاءات الحرب والاطماع، مقابل التمسك بالعلاقة الانسانية التي تربطهما من قبل الحرب واهوالها وتفريقها.


قال الكاتب الفاضل ايضاً: "ما حدث فى عام 2011 هو أن أنجلينا جولى فشلت فى تصوير الفيلم بالبوسنة نتيجة أحتجاجات جمعيات الدفاع عن حقوق النساء المسلمات المغتصبات فى معسكرات الأعتقال الصربية علي الفيلم وقصته الوقحة المريضة والمثيرة للشفقة." وهذه نصف الحقيقة. فقد ترددت انباء مغلوطة عن ان الفيلم هو قصة علاقة غرامية نشأت بين مغتصب وضحيته، فرفضت وزارة الثقافة البوسنية فعلاً منح جولي وطاقم عملها تصاريح العمل في بوسنيا، بناءاً على احتجاجات رسمية من "جمعية النساء من ضحايا الحرب". ولكن، بعد اقل من اسبوع من الرفض الصادر في الاربعاء 13 اكتوبر 2010 (وليس 2011)، صدر التصريح الرسمي من وزير الثفافة البوسني جابريلو جراهوفاش لجولي وطاقم عملها، بعد ان ارسلت له انجيلينا نص السيناريو والحوار ليطلع عليه بنفسه. وفعلاً، جرى التصوير في سراييفو ذاتها، والتي شهدت حصاراً على يد الصرب من 5 ابريل 1992 حتى 29 فبراير 1996، وقتل ما لا يقل عن 10،000 بوسني. وهاكم الخبر الذي ذكر صدور التصريح الرسمي لجولي بعد سوء التفاهم الذى وقع حول قصة الفيلم. وان كان جزء من الفيلم تم تصويره فعلاً في المجر، كما ذكر الكاتب الفاضل.

كما فات الكاتب الفاضل ايضاً ان يذكر رأي مراد طاهروفيش (رئيس جمعيى اسرى الحرب) في الفيلم بعد العرض الخاص في سراييفو: "نجحت جولي بجدارة بسرد قصة الحرب كاملة في فيلمها وكشف ابرز المواقف التي تعرض لها المأسورون – الاعدام الجماعي، والاغتصاب، استخدامهم كدروع بشرية، وغيرها من الاهوال"! كما وصفته خديجة محمدوفيش، رئيس احدى جمعيات امهات ضحايا مذبحة سريبرنتسا بأنه "موضوعي ومخلص"، شاكرة جولي على "استثمارها العقلي والمادي." جدير بالذكر ان خديجة نفسها كانت من اشد المعارضات لفكرة الفيلم حين ترددت انباء عن كونه يسرد قصة حب بين مغتصب وفريسته.


من الطريف ايضاً ان مَن عارض الفيلم هم الصربيون! فقد رفض Željko Mitrović احد اباطرة صناع السينما في صربيا السماح لجولي وطاقمها باستئجار ستوديوهاته، معللاً ذلك برفضه "لفيلم يقدم الصرب على انهم الاشرار الابديين"!




الجزء الثالث: الخلاصة


ارى ان المحترم ضياء احمد قد اطلع فقط على الضجة الاعلامية التي اثيرت حول الفيلم قبل عرضه، حين شاع عنه انه "قصة عهر نشأت بين فتاة بوسنية مسلمة وجندى صربى مسيحي بعد أن قام بإغتصابها"، والتي هي غالباً ضجة مفتعلة بفعل صناع الفيلم نفسه على سبيل الدعاية ولفت الانتباه للفيلم قبل طرحه! ولم يطلع بعدها على الحقائق والوقائع عند عرض الفيلم، والذي نال رضا البوسنيين انفسهم حكومة ومجتمعاً! ولم نسمع ابداً من اي طرف معنِيّ ان الفيلم "يوحي للمشاهد بأن الأديان *وعلى رأسها الإسلام قطعاً* هي سبب تعاسة البشرية وحروبها والحل الذي يقفز لذهن المشاهد فى اللاوعي هو أن تنبذ البشرية كل الأديان وتلحد بالله وتكفر بالأنبياء فينتج تلقائياً السلام العالمي"!



فلا الفيلم، كما وضحنا اعلاه، هو دعوة للانحلال، ولا يصور ضحية تهيم بجلادها، ولا هو اثار حفيظة مسلمي البوسنة، ولا هو دعوة للعلمانية، ولا العلمانية اصلاً دعوة لنبذ الديانات انما هي ببساطة الاقتناع بأن الحكومات وكيانات أخرى متعلقة بها يجب أن تنأى بنفسها عن الأديان والمعتقدات الدينية. أي أن العلمانية هي الشكل الممنهج لفصل الدين عن الدولة. (وللعلم بالشئ، فإن فكرة العلمانية قديمة ولها بداياتها في فكر ابن رشد، الذي نادى بتحرير الفلسفة من قيود الدين). ليست العلمانية فكرة ضد الدين، بل هي مستقلة عنها. العلمانية على اطلاقها، فلسفة سياسية في المقام الأول، وخطأ فادح تصنيفها جنباً إلى جنب مع اللادينية والإلحاد! فبينما ينكر الإلحاد وجود الله، تتجنب العلمانية الاحتكاك بالدين سواء بالسلب أو الإيجاب.

اما الفنانة انجيلينا جولي التي وصفها الكاتب الفاضل بأنها "ممثلة الإغراء الرخيص" و "الغير محترمة" و"المريضة"، فيكفي رداً على تلك الاتهامات الصورة التالية:



اما البرادعي، فسيذكره التاريخ بأنه الرجل الذي:
  •     عارض مبالغات امريكا في تهويلها لخطر "السلاح النووي الايراني" حين كان رئيساً لوكالة الطاقة الذرية، رافضاً اقتراح التدخل العسكري (الخبر من الصحافة العالمية هنا)
  •     كذَّب تصريحات بوش حول سلاح العراق النووي
  •     طالب بفتح الحدود المصرية مع غزة، متهماً اسرائيل بكونها اكبر خطر على الشرق الاوسط لامتلاكها السلاح النووي (الخبر من الصحافة العالمية هنا) 
  •     نادى بالتحقيق الدولي الرسمي في جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة بوش في العراق (الخبر من الصحافة العالمية هنا) 
  •     بدأ حراك التغيير في مصر، وكان قدومه الى مصر وتأسيس "الجمعية الوطنية للتغيير" ضربة المعول الاولى في عرش مبارك
  •     نال جائزة نوبل للسلام عام 2005، ثم تبرع بقيمتها كاملة لبناء دور الايتام في القاهرة


الا هل بلغت، اللهم فاشهد!