في دلالة قاطعة على ان الرجعية والظلامية لا دين لهما، او انهما بالأحرى مشكلتا عقليات بشرية لا مشكلتا عقائد، وعلى ان رفض الليبراليين والعلمانيين لحُكم المتسربلين برداء الدين (فقط الرداء!) ليس رفضاً للدين انما هو رفض لسحل المجتمعات والعقول والقيم في اوحال الرجعية وراء ستار الدين، حتى تبقى المجتمعات اسيرة الماضي فتخشع امام رجال انحصروا فيه، اعرض هذين الخبرين.
الخبران من الصحافة العالمية عن الاحوال اليهودية، لا علاقة لهما اذاً لا باسلام ولا بمسيحية – حتى لا يتهمنا هواة المغالاة والتضليل من الطرفين بمعاداة الدين. ويظهر جلياً في الخبرين محدودية الأُطر التي يفكر فيها من يتطفلون على السياسية باسم الدين، والنتائج الطبيعية والمتوقعة للتقوقع في القديم ورفض التجديد والمجددين.
ولن اعلق عليه باكثر من العبارة التالية:
إن الإخوان عندما اكتووا بنيران الظلم والاستبداد وغيبوا في السجون والمعتقلات وتعرضوا للتعذيب والتنكيل، كان الله للظالم بالمرصاد فبعد كل تنكيل بالإخوان كان الانتقام الإلهي شاملاً وعاماً فعقب اعتقالات الإخوان في 54 كانت هزيمة 56 ، وعقب اعتقالات 65 للإخوان كانت الهزيمة الساحقة في 67 ، وفي مصر مبارك تعرض الإخوان للاعتقالات والسجن والمحاكمات العسكرية الظالمة فكان سقوط النظام بأكمله عقب ثورة 25 يناير.
(د. محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
في رسالته "فى ذكرى 5 يونيو 1967" – يونيو 2011)
الخبر التفصيلي الاصلي:
وكم لفتت نظري جملة صادمة في تغطية نيو يورك تايمز للخبر:
In other words, while rejecting the state, the ultra-Orthodox have survived by making deals with it. And while dismissing the group, successive governments — whether run by the left or the right — have survived by trading subsidies for its votes.
وترجمتها:
أي، بصياغة اخرى، بينما يرفض اليهود المتشددون الدولة القائمة، الا انهم ظلوا باقين بعقد الصفقات معها. وبينما تقلل الحكومات المتتالية (سواء يمينية او يسارية) من شأنهم، بقت عن طريق منحهم المعونات مقابل اصواتهم الانتخابية.
فلننتبه سريعاً الى التشابه، بل التطابق، بين ما سبق وبين ما يعرفه الجميع عن الصفقات بين امن دولة النظام السابق والتيارات الاسلامية المتشددة، والتي كانت بمثابة علاقة حب-كره بين الطرفين: خدمات "من تحت المائدة" مقابل البقاء. اترك التفاصيل والدلالات والاستنتاجات للقارئ النبيه.
والى حانب ما سبق، الخبر عامر بتفاصيل مثل منع المُحاضِرات الاناث من اعتلاء المنصة في مؤتمر من المؤتمرات، وبصق رجال يهود متشددين على طفلة 8 سنوات بسبب ما ارتأوه لباساً غير محتشم، وتسويد وجوه النساء على اللوحات الاعلانية! ثم يستطرد الخبر في وصف تزمت اولئك الـ "حاريديم" في التفاصيل المتعلقة بالملابس واللحية والشعر وغطاء الرأس! اخالنا في غني عن ذكر ملاحظاتي؛ فبتعديل مصطلحات بسيطة، تصلح فقرات الخبر المذكور اعلاه لوصف مؤتمر من مؤتمرات حزب النور السلفي (مثلاً لا حصراً) وما يأتي فيه من تصريحات ومطالبات. وليس بعيداً عن الاذهان المؤتمر اياه في الاسكندرية والذي غطى منظموه نافورة تزينها حوريات بفراشة!
الطريف في الامر (ايضاً من نص الخبر الانجليزي) ان يهود الـ "حريديم" اولئك يرون حكومتهم قد ضلت عن صحيح الدين، وانها هالكة لا محالة!
وبينما نظم ليبراليو اسرائيل الحملات والفعاليات للرد على التيار الرجعي، وذلك من خلال العروض ولافتات التوعية واصدار التعليمات للمنظمات المختلفة بمقاطعة الفعاليات التي تمنع مشاركة المرأة – في رقي هو المعتاد من العقل الليبرالي الذي لا يملك اي اداة اقصاء، اذ ان اساس منهجه السياسي هو سواسية الكل رغم الاختلاف – كان رد رجال الدين اليهودي المتشديين، والذي اورده كما جاء في الخبر حتى تشاركني قشعريرة الدهشة:
Religious authorities said liberal groups were waging a war of hatred against a pious sector that wanted only to be left in peace.
قالت سلطات دينية ان الجماعات الليبرالية تشن حرب كراهية على جماعة من الاتقياء لا تريد الا ان تُترَك وشأنها في سلام.
حقاً، الانسان هو الانسان! فحين يجد ضعيف الحجة ظهره الى الحائط، لا يجد مخرجاً غير شخصنة الحوار وتحويله الى مواقف شخصية لا سجال افكار وعقليات! العلمانية، اذاً، ليست قضية رفض تعاليم الدين او ازدراء التزاماته، كما يحلو للبعض تصويرها، انما هي بكل بساطة وتجريد، المطالبة بأن يكون لكل فرد حريته الدينية او حقه في الالتزام بعقيدته، لكن دون التدخل في شأن غيره من الافراد، وعدم التمييز بين مواطن وآخر على اسس دينية!
اخيراً، ونحن على بُعد ايام من 25 يناير (اليوم الذي نأمل ان يكون انتعاشاً للثورة التي لم تكتمل بعد)، اقول لكل قانع بمحاكمة هزلية لرموز النظام السابق، وبمقاعد برلمانية في ظل اعلان دستوري مُلَفق، وبتغيير شكلي لم يصل يعد الى لب الوطن، اقول لهم: اسمحوا للثورة بالتغلغل في كيانكم وعقولكم، لا تتركوها حدثاً خارجياً لم يؤثر فيكم بعد. لا تكونوا كمن وصفهم جبران خليل جبران: كثيرون هم الذين يرفعون رؤوسهم فوق قمم الجبال، اما نفوسهم فتبقى هاجعة في ظلمة الكهوف!
ولكل مَن يحلم بتنصيب نفسه رقيباً على العقول والافكار والتوجهات والاختيارات الوجدانية، اصرخ مع جبران:
كبل يدي ورجلي بالقيود وانزل بي الى ظلمة السجون فأنت لا تقوى على اسر فكرتي لأنها حرة كالنسيم السائر في فضاء لا حد له ولا مدى!
رب صورة خير من الف مقال! فتيات يهوديات متشددات في طريقهن الى مدارسهن في القدس
شكر خاص للصديق الفاضل د. عمر علاء