لم يكن تغلب بعد على الخوف ، يسمع صدى الصوت يتردد فى الشوارع الجانبية للميدان "إذا أردت أن تكن من اهل الميدان فأذهب إلى مسجد (عمر مكرم) أولاً".
يذهب إلى المسجد كمن سبقوه ليلقنه الشيخ ترنيمة الثورة ويعطيه جلبابًا ناصع البياض وعباءة سوداء وقبعة بنية عالية، ثم يطلب منه أن يذهب إلى كنيسة (قصر الدوبارة) لكي يُلبسه القس ملابسه الجديدة ويُعلمه حركات الدوران .
يعود إلى الميدان مع آلاف يرتدون مثله، يشعر بدقات قلبه حين يسمع أصوات الرصاص وقنابل الغاز .
يحذره الجميع من الجري حتي لا يتعثر وتتسخ ثيابه، الأبيض لايجب أن تطوله الشوائب، فقط يسير بهدوء فى الصف مع الثوار الجُدد حتى يصل إلى ( صينية ) الميدان لتبدأ المراسم بالإلتفاف حول جسد شهيد مُكفن بعلم مُخَضَب بالدم .
يخلع عبائته السوداء فيشعر برعشة خفيفة تسري في جسده، يرفع يده اليمنى نحو السماء فيحس بالراحة، يضع يده اليسرى نحو الأرض فيشّم رائحة البارود والتراب المختلط بالدم.
يبدأ الدوران عكس عقارب الساعة ببطء حتى يرتفع فوق الأعناق داخل صندوق خشبي يحمله أبوه وأصدقائه،
يسمع
صراخ أمه
وزغاريد جدته
ويلمح خلف جنازته البنت التي أحب
تدمع دون صوت...
يزيد من سرعة الدوران لينفتح أسفل جلبابه أكثر فيرتفع عاليًا فوق سُحب الغاز المسيل للدموع والرصاص
ليفقد عينًا فى (محمد محمود)
وتخترق رصاصة صدره في (القصر العيني)
لم يشعر بالألم
فقط الراحة.
يدور بسرعة أكبر عكس عقارب الساعة حتى يرتفع فوق بنايات (التحرير) التى تضائلت فلم يعد يراها .
يرتفع أكثر إلى أن يصل السحاب ليدخل الرحم الذي كُتب عليه أسمه، يسبح فى الماء والدم معلقًا بحبل سُري كي يتمكن من التنفس، يسمع أصواتهم خارجًا، ترنيمة الثورة وصوت الرصاص والهتاف .
يقرأ ما كُتب فوق حبله السُري "إذا ما أردت الحياة فأقبل القيد، حين تولد لابد أن تبكي حريتك كي تتنفس ".
يزيد من دورانه فيرتفع أكثر ويطمس ما كُتب فوق الحبل السُري ثم يقطعه و يندفع خارج الرحم .
يولد في الميدان
يضحك
يتنفس
لا يشعر بالخوف!


0 comments:
Post a Comment