للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Thursday, July 5, 2012

الدم تراثهم

يحسبنا البعض، نحن العلمانيين، متحاملين ومهولين متى حذرنا من استعداد التيارات السياسية الدينية لإقصاء كل مَن يختلف معهم.

رسالة الدين – أي دين – مطلقة. فالدين يعلن: أنا الصراط المستقيم إلى الله، وما سواي ضلال. الدين لا يقدم نفسه واحداً ضمن عدة اختيارات، بل هو الصواب المطلق.

هذا على العكس من الشأن السياسي، والذي يقوم جوهرياً على التعددية، والاختيار من بين كثرة من الآراء، والتوفيق بين أساليب مختلفة متباينة. فالمطلقية ومنهج "أنا فقط" في السياسة = الفاشية.

متى دخل رجل الدين إلى ملعب السياسة على أساس دينه، يكون المطلق بهذا داخلاً إلى أرض النسبية! والحل واحد من اثنين:

  • التسليم بنسبية اللعبة والتنازل عن كون فكرته الدينية هي الأفضل والأمثل، مقدماً إياها كواحدة ضمن اختيارات عدة.
  • التمسك بالفكرة الدينية، مصراً على تقديمها كحل أمثل وأوحد، عاملاً على إخضاع كل مَن اختلف مع تصوره الديني لرأيه.
والواقع يثبت أن الحل الثاني هو الأقرب للحدوث.

والنتيجة الطبيعية لفكرة "المطلقية" هي الإقصاء. فالحق المطلق لا يقبل أن يتواجد سواه على الساحة. ويكون التسلسل الطبيعي للأحداث تكفير الفكرة المخالفة للمعتقد الديني، وينتهي المطاف بقتل معتنقي تلك الفكرة.

وليس أدل على رأيي إلا تاريخ حركات الإسلام السياسي في مصر. تاريخ يقطر دماً وترن حوله آهات المصابين وصرخات مَن فقدوا ذويهم.

مَن يتوهم أنه مكَلَّف من الله لآداء مهمة تنفيذ حكم الله في الأرض، لن يتورع عن استعارة بعض صلاحيات المُكَلِّف لتنفيذ المهمة المزعومة على أكمل وجه. وعلى رأس تلك الصلاحيات المختلَسة: إماتة الأنفس!

وبعد، فما يأتي عرض لبعض نماذج من أعمال الحركات الإسلامية خلال القرن الماضي. ليست قائمة كاملة، فلم أورد فيها، مثلاً، أحداثاً جدلية مثل حادث المنشية، ولا أوردت الأحداث الكُبرى التي نذكرها جميعاً مثل اغتيال السادات ومحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا. اكتفيت فقط بجرائم مأساوية هزت الكيان المصري لفترة، ثم خمدت نيرانها في نفوسنا بحكم مرور الزمن وتتابع الأحداث. أعرضها عليكم مرة أخرى على سبيل التذكرة، مقترحاً عليكم اقتراحاً:

كل قاتل مما يأتي، ألم يعتقد في حين إطلاق رصاصاته أو غرس نصله أنه يتمم مشيئة الله، وأنه يصلح بيده منكراً رآه؟


***

  • 23 مارس 1948م اغتيال القاضى أحمد بك الخازندار؛ وفق ما ذكره عبد العزيز كامل عضو النظام الخاص بالإخوان وزير الأوقاف الأسبق فى مذكراته أن الخازندار كان متعسفا فى أحكامه، حينما كان ينظر فى قضية اعتداء بعض شباب الإخوان على جنود بريطانيين فى الأسكندرية (٢٢ نوفمبر ١٩٤٧م) وحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، الحكم الذي علّق عليه حسن البنا قائلاً: "ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله" وهو ما اعتبره أعضاء فى التنظيم بمثابة «ضوء أخضر» لاغتيال الخازندار.
فى صباح يوم الجريمة، كان المستشار أحمد الخازندار خارجاً من منزله بحلوان ليستقل القطار المتجه إلى وسط القاهرة حيث مقر محكمته. وكان فى حوزته ملفات قضية "تفجيرات سينما مترو"، والتى اتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أيضاً؛ وما أن خرج من باب مسكنه حتى بعضوي الإخوان المسلمين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم يطلقان عليه النار من مسدسين بحوزتهما. أصيب الخازندار بتسع رصاصات وسقط صريعاً، وحاول الجناة الهرب سريعاً لكن الأهالي طاردوا المجرمين، فقام أحدهما بإلقاء قنبلة مطارديهم، لكن الأهالي تمكنوا أخيراً من القبض عليهما.
فى قسم الشرطة، عُثر بحوزتهما على أوراق تثبت انتماءهما لجماعة الإخوان المسلمين، فاستدعت النيابة حسن البنا لسؤاله حول ما إذا كان يعرف الجانيين الا أن البنا أنكر معرفته بهما تماما. لكن النيابة تمكنت من إثبات أن المتهم الأول حسن عبد الحافظ كان السكرتير الخاص لحسن البنا، وهنا اعترف البنا بمعرفته للمتهم إلا أنه نفى علمه بنية المتهمين اغتيال القاضى.

  • 28 ديسمبر 1948م اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي على يد عبد المجيد أحمد حسن عضو النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين التي كان النقراشي قد أصدر قراراً بحلها في نوفمبر 1948. تنكر القاتل في زي أحد ضباط الشرطة وقام بتحية النقراشي حينما هم بركوب المصعد ثم أفرغ فيه ثلاث رصاصات في ظهره. وقد أصدر حسن البنا عقب هذا الحدث بيانا استنكر فيها الحادث و"تبرأ" من فاعليه تحت عنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"! بينما اعتبر محمود الصباغ (أحد أعضاء التنظيم الخاص) في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" ، قتل النقراشي عملاً فدائياً وليس اغتيالاً سياسياً حيث قال تحت عنوان "أعمال فدائية قام بها رجال من الإخوان المسلمين ضد أعوان الاستعمار والفاعل فيها معروف": قتل النقراشي باشا: لا يمكن أن يعتبر أن قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف قام به أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود، كما شهد بذلك ضباط القوات المسلحة المصرية سابقًا، وكما سنرويه تفصيليا في الفصل القادم إن شاء الله، فحل جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم وحرم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلى هذه المبادئ الفاضلة إلى الأبد، فكانت خيانة صارخة لا تستتر وراء أي عذر أو مبرر، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعًا، ويكون قتله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا، فقد كان المجرم الأثيم قد أودعهم جميعًا السجون والمعتقلات وحال بين الإخوان وبين مرشدهم، حيث وضعت كل تحركاته تحت رقابة بوليسية علنية من تاريخ إصدار قرار الحل حتى اغتياله.
  • 18 أبريل 1974م محاولة أعضاء "منظمة التحرير الإسلامي" السيطرة على الكلية الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية (فلسطيني الجنسية)، التي خطط فيها لاقتحام مبني الاتحاد الاشتراكي والوصول إلي منصة الرئيس السادات وإجباره علي التخلي عن الحكم، والتي أسقطت من القتلى 11 والمصابين 27.
  • 3 يوليو 1977م "جماعة التكفير والهجرة" تختطف الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق. ساومت الجماعة السلطات المصرية على مطالب عدة، منها الإفراج عن 60 من أعضاء التنظيم المحبوسين، ونشر اعتذارات علنية من الصحافة عما قيل في مهاجمة الجماعة، ونشر كتاب بقلم شكري مصطفى (مؤسس الجماعة)، ودفع فدية 200,000 جنيه مصري، ثم قتلوه حينما رُفِضَت مطالبهم، وعثرت السلطات على جثمانه ملقياً في الطريق بعد أربعة أيام من اختطافه.
  • 1981م عمر عبد الرحمن يتولى منصب مفتي تنظيم الجهاد، ويفتي باستباحة أموال ودماء الأقباط في سبيل الجهاد، مفجراً سلسلة من أعمال الترويع والقتل ضد المصريين المسيحيين في أنحاء الجمهورية.
  • 8 أكتوبر 1981م، هجوم "تنظيم الجهاد" على مديرية الأمن وقسمي شرطة بأسيوط يوم عيد الفطر. استمرت معركة بالنيران بين الإرهابيين وقوات الشرطة من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة، وانتهت بسقوط عميد شرطة و ثلاثة ضباط برتبة ملازم أول و٦٢ جندياً و ٢١ من الأهالي لفظوا أنفاسهم الأخيرة في موقع الحادث، وأصيب ١٥ ضابطاً و ١٩٠ جندياً و ٣٢ مواطناً.
  • 12 أكتوبر 1990م اغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق برصاصات تنظيم الجهاد.
  • 1993م سلسلة هجمات متفرقة على الأفواج السياحية في أنحاء مصر، كانت حصيلتها 1106 من القتلى والمصابين من المصريين والأجانب.
  • 26 سبتمبر 1993م محاولة اغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق. زرع المتهمون متفجرات وأنابيب غاز داخل سيارة وقفت أمام مدرسة المقريزي بمصر الجديدة، التي يمر من أمامها موكب رئيس الوزراء، وما إن مر الموكب حتي انفجرت السيارة، دون وقوع إصابات في الهدف أو حراسه، نتيجة خطأ المتهم في تقدير الموعد - لتستقر شظايا الانفجار في أجساد طلبة المدرسة أثناء خروجهم ساعة "المرواح". لقيت الطفلة شيماء مصرعها متأثرة بجروحها، وأصيب ١٤ آخرون من زملائها بالمدرسة والمارة في الشارع.
  • 8 يونيو 1992م اغتيال المفكر المصري فرج فودة علي يد "الجماعة الإسلامية"، حيث قام إرهابي من كوادرها بإطلاق الرصاص من بندقية آلية على فودة من على دراجة نارية يقودها آخر. نجح سائق فرج فودة وأمين شرطة متواجد بالمكان في القبض علي الجناة، وبينت التحقيقات أن الجريمة جاءت بفتوي من شيوخ "الجهاد" علي رأسهم عمر عبد الرحمن. وفي شهادة الشيخ محمد الغزالي أثناء محاكمة القاتل، وصف الغزالي فودة "بالمرتد" و "وجب قتله"، وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتياتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة، حسب تعبيره.
  • أكتوبر 1995 محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ، بعد أن افتى عمر عبد الرحمن بارتداده عن الإسلام ووجوب قتله. طعن محمد ناجي محمد مصطفى (فني إصلاح أجهزة إلكترونية وحاصل على شهادة متوسطة) الأديب في عنقه بسكين، بتكليف من الجماعة الإسلامية بناء على فتوى عمر عبد الرحمن.
جدير بالذكر أن كلاً من قاتل فرج فودة والمعتدي على نجيب محفوظ ذكر في التحقيقات أنه لم يقرأ أعمال أي من الكاتبين قبل تنفيذ الجريمة، بل كانت تصرفاتهم بتكليف وأوامر من قيادات الجماعة الإسلامية!
  • 17 نوفمبر 1997م مذبحة الأقصر، على يد الجماعة الإسلامية. حاصر الإرهابيون زوار الدير البحري بداخله، وفتحوا عليهم النيران وقتلوا ومزقوا الضحايا بالأسلحة البيضاء لمدة 45 دقيقة متواصلة. راح ضحية العملية أربعة مصريين (المرشد السياحي وثلاثة شرطيين)، و58 من السياح الأجانب من بينهم طفل بريطاني لم يتجاوز الخامسة من عمره. من الطريف أن عمر عبد الرحمن برّأ الإسلاميين من تلك المذبحة متهماً بدلاً منهم المخابرات إسرائيل، أما أيمن الظواهري ففسرها بأنها من تدبير الداخلية المصرية!
***

تعقيب

حرّكني لكتابة ما سبق ردود الأفعال العجيبة على جريمة قتل ثلاثة متطرفين ملتحين لشاب في السويس، لأنه كان "في وضع مخل مع خطيبته" على حد قولهم. خرجت أصوات تنادي بأن أولئك ليسوا إلا رجال أمن الدولة وقد تخفوا في هيئة الإسلاميين المتشددين لبث الذعر في النفوس من التيار الإسلامي. جدير بالذكر أن موجة التحرش بغير المحجبات عقب إعلان فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية بعبارات "مرسي جه وهايحجبكم" تمت نسبتها أيضاً إلى أمن الدولة.

حديث سخيف هزلي طبعاً، وكأن مجتمعنا جميل متسامح يفيض تعددية وقبول الآخر المختلف، وتتآلف عناصره المتباينة مكونة لوحة شديدة الزخرفة مبهرة التناسق!


لا! التطرف متأصل في مجتمعنا، وله تاريخه في بلدنا! وكما أحس التيار الإسلامي بالاستقواء عقب اغتيال السادات وأن "البلد بقت بتاعتهم"، هكذا يحس البعض منهم الآن! ليس القلق من شخص الرئيس ولا من مؤسسة الإخوان المسلمين ولا حتى الأحزاب السلفية، بل القلق -  الذي تجسد في حادثة السويس – من إحساس رجل الشارع بأنه صار مواطناً متميزاً عن غيره وأكبر منه، فقط لأن رئيس الجمهورية معتنق لمنهجه الفكري!


الوقائع المعروضة أعلاه جزء من تاريخنا المصري، وقد تعمدت عدم عرض مراجعي كما اعتدت، حثاً للقارئ على الاطلاع والبحث بنفسه على دقة ما سبق، كي يصل خلال بحثه إلى المزيد من جرائم الأصوليين المتطرفين، فتكون نتائج بحثه برهانا إضافياً على آرائنا!


وأخيراً:
 
 
 
اخرجوا رؤوسكم من الرمال وواجهوا أنفسكم بالحقيقة ولو مرة: جراثيم التطرف موجودة فعلاً في لحم وأنسجة المجتمع. استأصلوها قبل أن تنهش الحياة منه، بينما تجلسون إلى الوراء تغزلون خيوط مؤامرة وهمية تعلقون عليها مسئولية الأحداث، مؤامرة لا وجود لها إلا في عقولكم المتهربة من تحمل مسئولية الواقع!



 
الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!



5 comments:

kheffah said...

مقال رائع،‏ و فيه الكثير من وقائع التطرف اللي مكنتش أعرف عنها.‏ بالفعل لا زم علينا مواجهة الواقع و عدم إلقاء كل حاجه على شماعة نظيرة المؤامره

الكبير اوي said...

a7a أوي
وإيه الدليل على الشخاخ ده ؟ كنيف حضرتك ؟ واللا حزئتك الشخة فجيت كتبت كده ؟ فين الأدلة الرسمية بالمحاضر والتحقيقات ؟فين كلام النيابة اللي يثبت كده من أوراق النيابة مش من أوراق الجرايد وقراطيس اللب ؟ معلش متعودتش اصدق حاجة إلا عليها دليل ساطع مش كل اللي يتبول ويتبرز من بؤه افتكره بيتكلم مع احترامي للشخاخ اللي انت كاتبه
>>>

الكبير اوي said...

انا ممكن اركب دقن وانزل اعمل جرائم السنين وواحد مدهول زيك يجي يقول الإسلاميين اهم
هع هع
ليلتك مرار طافح

HellCold said...

عارف إيه أكبر مشكلة في الموضوع ده؟ ان الكل بيتظاهر ان مفيش مشكلة و ان مصر أرض التسامح و الحضارة و الوحدة الوطنية إلى آخر الكلام الفارغ ده...

احنا للأسف متعودناش نعترف بأخطائنا، و حتى بعد الثورة متعلمناش نقف في وش الغلط و نصلحه... واضح ان عادة الطبطبة مترسخة فينا بصورة أقوى من اللازم...

مفيش أمل يا إيفرا.

مواطن مصري متشائم فشخ

HellCold said...

آه، و بالنسبة للكومنت اللطيف اللي فوق، متمسحوش سيبه ده دليل كويس عالأشكال اللي معترضة على كلامك :)

Post a Comment