للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Sunday, April 21, 2013

مفتوحة

سَلْ أي أحد عن سبب ختان الذكور، يقول لك بالحد الأدنى من الثقافة الطبية: "ماعرفش بالظبط، بس هو له سبب طبي بيمنع بعض الأمراض" (وهو تعميم، على قصوره، لا يخلو من الصحة).

وجّهْ نفس السؤال للشخص عينه، لكن بخصوص ختان الإناث، تجد إجابة مقززة صادمة بمعنى:
"عشان يقلل الشهوة عند البنت وماتستثارش بسهولة"

فبينما يقتنع المرء بسبب صحي لختان الذكور، يقبل سبباً ذكورياً تسلطياً لختان الإناث!

ولِمَ لا؟
فالأنثى في نظره ناقصة عقل، لا تقدر أن تضبط رغبتها، هي تيار شهوة وشبق، لو تُرِكَت لحالها لصارت مسعورةً جنسياً لا يهمها إلا إرضاء ذلك النهم المستعر بين فخذيها والذي يشعله ولو احتكاك ثيابها بجسدها!

هذه المفاهيم الذكورية السخيفة مستقرة في وعينا الجمعي  وحتى في لغتنا اليومية: أن شهية الأنثى الجنسية وحش كاسر يجب ترويضه بأي ثمن...

فمَن مِنّا لم يسمع أغنية "العلبة الدهبية"؟
كم مرة سمعنا زوجاً ينصح آخرَ بالترامادول أو الحشيش أو الجمبري أو أيٍ من تلك الأساطير كي تزيد من فحولته حتى "يكيّف" زوجته و "يملا عينيها"، وإلا خرجت بحثاً عن الجنس في الشوارع والأزقة لأنها لا تجد كفايتها في فراش زوجيتها؟
تُرى ما عدد شباب جيلنا هذا الذي قرأ بنهم على الانترنت صفحات ملحمة "مديحة" الجنسية، وصدّق وآمن أن هذا نموذج الأنثى التي يتعامل معها في الحياة اليومية: بداخلها نواة انفجار جنسي يُشعَل فتيله بكل سهولة فيطول القاصي والداني؟!

ختان الإناث قائم على فكرة بسيطة:

انزع ذلك الجزء الحسّاس، مفتاح استثارة الأنثى واستمتاعها جنسياً، كي ترضى بقليلها في الجنس، لتتجنب يا ذكر مجازفة أن تفوق رغبتها استطاعتك. انزع مفتاح إثارتها، لا يحق للأنثى التعبير عن رغبتها أو احتياجها للجنس، فتلك المطالبة معناها أنك يا ذكر "مش مالي عينها" ولا تعطيها كفايتها، وإلا فلِمَ تريد المزيد؟

كيف تترك المرأة العزباء بذلك اللغم الجنسي بين فخذيها؟ تلك الناقصة عقل ودين سرعان ما ستسلمها شهوتها لأول مغازل لها فتفقد عذريتها، وويل للأنثى التي يتمزق بداخلها ذلك الغشاء الرقيق دون زيجة! لا تهم "بكورية" الذكر ولا تعنينا عدد خبراته الجنسية في الظلام قبل زواجه، قدر ما يهم الإبقاء على ذلك الغشاء سليماً؛ ولأن أول خطوة على طريق العلاقة الجنسية التي تنتهي بفض ذلك الغشاء هي الإثارة، فاقطع الطريق من أوله وانزع مفتاح تلك الإثارة من جسد الأنثى! وإلا صارت ابنتك أو أختك "مفتوحة" تُدخِل وتُخرج مَن تشاء، و "شمال" و "على حَل شعرها" و "بتاعت كله"!

هي أفكار بدائية متبقية مما وصفه ول ديورانت بـ "الملكية" في موسوعته "قصة الحضارة – نشأة الحضارة، الشرق الأدنى، الباب الرابع: العناصر الخُلُقية في المدنية، الفصل الثاني: أخلاق الجنس". فيقول:

"إنها الملكية، حين قام بين الناس نظامها؛ فالعفة الجنسية بالنسبة إلى البنات قبل الزواج جاءت امتداداً للشعور بالمِلْك الذي أحسه الرجل إزاء زوجته بعد أن أصبحت الأسرة أبوية يرأسها الزوج؛ وازدادت قيمة البكارة لأن العروس في ظل نظام الزواج بالشراء كانت تُشتَرى بثمن أغلى إن كانت بكراً من ثمن أختها التي ضعفت إرادتها، إن البكر يبشر ماضيها بالأمانة الزوجية التي أصبحت عندئذ قيمة كبرى في أعين الرجال الذين كان يؤرقهم الهم خشية أن يوّرثوا أملاكهم إلى أبناء السفاح. وأما الرجال فلم يَدُرْ في خواطرهم قط أن يقيدوا أنفسهم بمثل هذا القيد، ولست تجد جماعة في التاريخ كله قد أصرت على عفة الذكر قبل الزواج، بل لست تجد في أية لغة من اللغات كلمة معناها الرجل البكر."

فالأنثى في مجتمعنا الذكوري من أملاك أبيها أو زوجها أو... أو... ؛ مَن منا لم يسمع تعبير " حريمك" في مختلف السياقات؟!

إن كانت العفة مبتغى تلك العادة الاجتماعية الرديئة فعلاً، فلتلبسوا الذكور أحزمة عفة أيضاً إلى أن يتزوجوا!

إنما هي فوبيا الجنس في المقام الأول، ثم الحَط من شأن الأنثى – وهو نابع من فوبيا الجنس. لأن الجنسانية اختزلوها في الجماع، والرجولة في القدرة على الجماع مرات ومرات... نسوا أن العلاقة الجنسية ليست أن يحس الرجل وأن تحس المرأة، إنما أن يحسس الرجلُ المرأةَ وأن تحسسه هي! عرَّفوا الجنس على أنه "واجب" زوجي، وفاتهم أنه حوار وغزل وشد وجذب ودلال وتمنّع، مثله تماماً مثل الأغاني والأشعار والرسائل والمكالمات الهامسة ومسك الأيادي وتبادل الورود!

من حق الأنثى أن تحس كل تفاصيل علاقتها الجنسية بكل ما خُلِقَ لها من إمكانيات إحساس. جاهل أنت يا مَن تظن أن الأنثى المختونة ستجد المتعة في قدرتك على مواصلة الجماع لساعات، لأن متعة الأنثى تحسها أساساً من البظر والشفرين بنسب متفاوتة، وأخيراً وبأقل قدر من المهبل. فالختان يزيل البظر والشفرين، فيتحول الجنس للأنثى من وسيلة تواصل وانتشاء إلى جماع واجب عليها إما لإنجاب الأطفال أو إرضاء الزوج و "المحافظة عليه".

لختان الإناث، أو لأجل الدقة، تشويه\بتر الأعضاء التناسلية للأنثى female genital mutilation، أربعة أنواع أو مستويات:
  •  النوع الأول: إزالة البظر بغطائه clitoris & clitoral hood
  • النوع الثاني: إزالة البظر والشفرين الصغيرين labia minora
  • النوع الثالث: استئصال الشفرين الكبيرين والصغيرين والبظر مع حياكة الجرح لترك فتحة صغيرة تسمح بمرور البول والحيض، ثم تُفتَح تلك الفتحة عند الزواج.
  • النوع الرابع: عمليات متعددة تتراوح ما بين وخز أو ثقب رمزي للبظر، أو كي البظر، أو سكب مواد كاوية على المهبل vagina لتضييقه.

ليس لختان الإناث أي قيمة طبية. أكرر، ليس لختان الإناث أي قيمة طبية. أما الأضرار الطبية الناجمة فعديدة، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الالتهابات المزمنة في المثانة والمسالك البولية، والحويصلات، والعقم، مخاطر الحمل والولادة، والتقرحات والنزيف وإلخ.

من السخف بعد كل هذا التطرق لقضية رأي الدين في ختان الإناث. فمجرد وجود وجهات نظر دينية متضاربة حول تلك القضية، ما بين محلل ومؤيد ومعارض ومحرم، هو أمر مخزي: ففي الحياة قضايا بديهية لا يجوز حتى الاختلاف حولها! فإلى أن يحسم ذوو اللحى جدالهم حول هذه القضية، نؤدي نحن ما نراه واجباً إنسانياً تنويرياً للقضاء على هذه العادة المقيتة.

وكلي يقين أننا إن أصلحنا العقلية الذكورية المتسلطة التي ترى الأنثى أقل بشكل أو بآخر من الذكر، سينصلح حال مجتمعنا انصلاحاً ليس بيسير، إذ تنمحي شيئاً فشيئاً مفاهيم عدة تنخر في عظام مجتمعنا المُستَغني عن المساواة التامة بين الرجل والمرأة، تلك المساواة التي علينا الإيمان بها في كياننا وضميرنا ووعينا قبل أن نسنها في قوانين هي حبر على ورق إن لم نعتنق روحها.





3 comments:

سامح said...

عجبنى اسلوبك الواضح والجرئ فى شرح المفاهيم المغلوطة ... يسلم قلمك (Y)

Unknown said...

مقاله عيشتنى جواها اسلوب واضح سلس و مباشر .... أكمل فى طريقك و لا تلتفت الى الاحقاد

Personal Diary said...

احا ! O.o , إيه العنف بتاع المجتمع ده !!

Post a Comment