للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Thursday, May 16, 2013

موعظة أخرى على الجبل

طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت من بساطة وتصالح مع واقعهم يلوذون به من تجبر كل متعجرف متغطرس؛ أولئك لا هالات زائفة رسموها حول أنفسهم يخشون اضمحلالها، ولا منصات من دخان نصّبوا أنفسهم عليها يخافون انقشاعها.

طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون متى ادركوا أن الحزن والفرح وجهان لعملة واحدة ومد وجزر للجة واحدة هي الحياة؛ لكل ما يبدأ نهاية، فكما يبدأ السَعد وينتهي بعوائد الدهر، كذلك يبدأ الحزن ثم ينتهي بمسرات الأيام.

طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الارض؛ فمَن تناحروا قُتِلَ منهم المهزومون وعاش بعدها مَن حسبوا أنفسهم منتصرين متحفزين دفاعاً عمّا اغتنموه، متوجسين مِمَن يطلبون الاقتصاص للمغلوبين. أما أنتم يا ودعاء فالأرض ميراث لكم تهنأون به وتُسرون بطيباته في تشارك وتعايش. الأرض تسعُ الجميعَ.
  
طوبى للجياع والعطاش إلى المعرفة، لأنهم يُشبَعون حيناً، ثم يجوعون ويعطشون للمزيد، فتبقى لهم متجددةً أبداً لذة الانتشاء بأول ذوق شهي مِن بعد إيقاب.

طوبى للرحماء، لأنهم يُرحَمون من تلك الجُشرة التي تلطّخ كيان كل عاتٍ عَرَضاً لبغيه!

طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله في كل ما حولهم؛ فالله هو كل جميل ونقي مأمول ابتغاه الإنسان فجمعه وكثّفَه في مفهوم أسمى ودعاه "الرب"؛ فمَن كان قلبه "إلهياً"، أسقط "الله" على كل ما يعاينه ورآه فيه.

طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الحياة يُدعَون.

طوبى للمطرودين من أجل حق آمنوا به وكان – على نسبيته – خيراً لقومهم في زمانهم ومكانهم، لأن لهم مقامهم في مَلَكُوت مَن دفعوا البشرية للأمام وارتقوا بها، ملكوت هو سجل التاريخ. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجل ذاك الحق، كاذبين. افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم فِي نُصُب الضمير الإنساني، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم ، أنبياء هم حشد شمل – وإن لم يقتصر على – بوذا ويسوع وجبران وغاندي ولوثر كينج وستيوارت ميل وماركس وغيرهم يأتون بعدكم.

كونوا ملحاً لأهل الأرض، يزكّي عطشَهم لكل معرفة واستنارة، ويحفظ الإنسانية من عفن يزرعه أسرى ماضٍ أسن بمرور الأيام واستغناء الضمير الإنساني عنه.

كونوا نوراً للعالم، ولا تخشوا خفافيش الظلام وأفاعيه، فلا تختبئوا مطمئنين إلى تربِيْتِكم على ظهور بعضكم البعض، فلا يوقد سراج ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لأن في حياة البشر – على خلاف الطبيعة – لا يكفي للنور أن يتواجد ويكون وحسب ليمحو الظلام، بل على النور الإنساني أن يصارع يقاوم لطمات الظلام ويقوى عليها حتى يخترق غيومه. فالنار الآكلة المخربة لا تنطفئ بوجود الماء إلى جوارها في الإناء، بل لازمٌ أن يخرج الماء عن سكينته في أمان الإناء ويفيض على اللهب!


1 comments:

Natalie Kasabri نتالي كسابري said...
This comment has been removed by the author.

Post a Comment