للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Sunday, January 8, 2012

مشاهد سياسية من عيد الميلاد المجيد في مصر: المشهد الأول

المشهد الأول: الكنيسة والدولة – متى ينتهي ذكرهما معاً في نفس الجملة؟




"أهنئكم بحضور هذا العدد المميز والمشرف من قيادات المجلس العسكرى... وتلك القيادات التى قامت بكل جهدها من أجل رفعة بلادنا"
(البابا شنودة الثالث ضمن كلمته في قداس عيد الميلاد المجيد 2012)


"إحنا الشعب الخط الأحمر! يسقط يسقط حكم العسكر!"
"اطلعوا بره! اطلعوا بره!"
(هتافات قاطعت البابا اثناء التحية المذكورة اعلاه)


منذ اسقاط مبارك اسأل نفسي: لماذا لم تستغل الكنيسة المصرية (بكل طوائفها) بداية حقبة جديدة في اعلان حيادها التام المطلق في كل المسائل والمواقف السياسية المباشرة والضمنية، تعلماً من اخطاء الماضي، ورجوعاً الى الحالة المشرفة التي كانت عليها في عهد البابا كيرلس السادس (1959 – 1971م)؟ فتشدد القيادات الكنسية الرسمية التعليمات بخصوص عدم ظهور رجال الدين المسيحيين في أي محافل سياسية بملابسهم الكهنوتية وعدم ابداء آراء سياسية بصفاتهم الدينية (القس فلان والقمص علان الخ)، وما الى ذلك من اجراءات تتخذها الكيانات الدينية في الدول العلمانية المحترمة.

 
ولكن بات جلياً أن المنهج لم يتغير، بدءاً من بيان بطريركية الاقباط الارثوذوكس في عدد مجلة "الكرازة" (يرأس تحريرها الأنبا شنودة الثالث مباشرة) الصادر بعد تنحي مبارك، مهنئاً المصريين بنجاح الثورة، وحتى قداس يوم الجمعة الماضي.

 
ارى ان الموقف المحرج اياه كان ممكناً تجنبه ببساطة بأن توجه الكنيسة دعوة رسمية واحدة شديدة العموم، في مؤتمر صحفي او ما شابه، لجميع الاطياف والكيانات والرموز السياسية للدولة المصرية دون استثناء، ثم يكون الشكر في القداس شكراً رسمياً واحداً شديد العموم – وانتهى الأمر، دون تخصيص او ذكر اسماء او شكر على مواقف بعينها.

طبعاً هذا الموقف غير ممكن ان لم يكن للكنيسة تاريخها المعروف في الحياد السياسي التام والارتقاء بنفسها عن السياسة ومتناقضاتها، وفي تركيزها على رسالتها الرعوية الروحية. ولكن القيادة الكنسية، منذ عام 1971، متورطة في دوامة لا منتهى لها من الاحتكاكات السياسية، فصار لزاماً عليها ان تعلن موقفها من كل واقعة سياسية، والا تُلام على صمتها، في حال هو عكس ما يصح تماماً! وهذه وضع مُعوَج اخاله لن يعتدل الا بقيادة كنسية جديدة – والاعمار بيد الله.


كلمة اوجهها للمصريين المسيحيين الذين دافعوا عن موقف البابا شنودة في تحية ممثلي المجلس العسكري، متعللين بوصايا الدين بـ"المحبة المسيحية والتسامح"؛ رد ايضاً من الدين

المحبة والتسامح هما من جوهر الايمان المسيحي. معلوم. بل يُعَلِّم المسيح اتباعه ان يحولوا الخد الآخر لمن يلطمهم على الخد الأيمن (متى 39:5). ولكن هذا فيما يتعلق بما قد يُعَطِّل رسالتك كمسيحي، او بما يتعلق بتمسكك بوصايا ايمانك. ولا يعني اطلاقاً السكوت على كل اشكال الظلم! فالمسيح نفسه اعترض على صفع جندي له بدون وجه حق، قائلاً اياه: إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟ (يوحنا 23:18). السيد المسيح لم يعترض على الظلم الواقع عليه بصلبه، اذ أن الصليب كان رسالته الأسمى، لكنه لم يسكت ابداً على الظلم الذي لا طائل من وراءه! وهكذا بولس الرسول؛ لم يعترض على الظلم الواقع عليه حين حُكِمَ عليه بالاعدام بسبب كرازته بالمسيحية ورفضه عبادة الاوثان، اذ أن الوصول الى جوار الله بالتبشير والاستشهاد في سبيله كان رسالته الاسمى. لكنه اثناء حياته تمسك بحقه المدني كمواطن روماني في عدم التعرض لأي عقاب بدني دون محاكمة عادلة، حين لم يكن تنازله عن حقه تحقيقاً لهدف اثمن واغلى: قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ:"أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟" وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ، وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ (أعمال 25:22-29). وهو موقف تكرر في واقعتين مختلفتين: في فيلبي (راجع سفر اعمال الرسل 16) واورشليم (راجع اعمال الرسل 22).


اذاً تسامح كما شئت فيما يتعلق بحقك الشخصي، حين يكون التمسك بكامل حقك على حساب تمسكك بايمانك وهدفك الاسمى. لكن حين يكون الظلم واقعاً عليك بصفتك كمواطن مصري، ولا مبرر اسمى او اعمق للتسامح وتحمل الظلم – كما رأيتَ في مواقف السيد المسيح وبولس رسوله اعلاه، وحين يكون في تنازلك عن حقك مدخل للافتئات على حقوق الملايين غيرك، فيجب عليك حينذاك الزئير:
إحنا الشعب الخط الأحمر! يسقط يسقط حكم العسكر!  


بقية المشاهد قريباً جداً...

1 comments:

Mohammed Moharram said...

More And More Respect :)

Post a Comment