المشهد الأول: الكنيسة والدولة – متى ينتهي ذكرهما معاً في نفس الجملة؟
المشهد الثاني: مزحة اللجان الشعبية لحماية الكنائس
في تصرف ظاهره الرقي والمودة، رأينا لجاناً شعبية من كوادر بعض الاحزاب السياسية الاسلامية (الى جانب متطوعين مستقلين، ليس حديثي هنا عنهم) ، تقف لـ "حماية" بعض الكنائس اثناء صلوات رأس السنة الميلادية وقداس عيد الميلاد المجيد. فقد اتخذت التيارات الدينية الاسلامية من تلك اللفتة وسيلة لاعلان التزامها بضمان حقوق "الأقلية المسيحية"، وان المصريين المسيحيين في ذمة الاغلبية المسلمة. ومع ذلك، فإن لتلك "اللفتة" تداعيات ورسائل ضمنية لم تَرُقْ لي بالمرة!
الحقيقة ان فكرة حماية "المسلمين" لـ "اهل الذمة"، ان طُبِقَت مدنياً وسياسياً لا انسانياً واخلاقياً، هي ضربة المعول الاولى في هدم اسس المواطنة! فالمواطنة (ومرجعي في هذا التعريف هو الموسوعة البريطانية المختصرة Britannica Concise Encyclopedia) هي علاقة بين الفرد والدولة، لها عليه بمقتضاها الولاء وله عليها بمقتضاها حق الحماية. وتصاحب المواطنة، عموماً، الحقوق السياسية كاملة، بما فيها حق الانتخاب وتولي المناصب العامة. اما واجبات المواطن، عموماً، بمقتضى تلك العلاقة فهي الولاء، وسداد الضرائب، وتلبية نداء الخدمة العسكرية.
اذاً فحق الحماية حق اصيل يكتسبه المواطن بمجرد حصوله على جنسية البلد المعني. خطأ جسيم ترسيخ مفهوم في وعي المصري المسيحي انه في عرض المصري المسلم، وفي وعي المصري المسلم ان المصري المسيحي رهن رحمته، من منطلق ان هذا اقلية وذاك اكثرية. المواطنون المصريون كلهم في حمى الدولة المصرية، فقط لا غير. فان قَبَلَ الشارع المصري ما اراه فكرة ضمنية مستترة في تلك اللجان الشعبية، فعلى هيبة الدولة السلام، اذ اننا نصير في غنى عن مؤسسات الدولة حينذاك مكتفين بالجهود "الشعبية"، ونمسي في دولة السداح مداح.
وقد يعترض مُعتَرِض قائلاً ان تلك اللفتة انما هي تعبير حسن نية من التيارات السياسية الاسلامية تجاه مسيحيي مصر والعلمانيين والليبراليين عامة. اقول لهم ان هناك عشرات الوسائل الحقيقية الاخرى لايصال رسائل الطمأنة تلك: حددوا موقفكم من اطلاق حرية العقيدة! حددوا موقفكم من تولي غير المسلم اعلى المناصب! حددوا موقفكم من حرية الرأي والتعبير عنه بجميع الاشكال! حددوا موقفكم من الفنون على تنوعها! حددوا موقفكم من الانفتاح على العوالم المستنيرة المحيطة بنا! حددوا موفقكم من حياد الدولة فيما يتعلق بالقضايا الدينية!
ولكن يبدو ان تلك "اللفتة" هي ضمن مسلسل استغلال طيبة وسذاجة السواد الاعظم من شعبنا... فنسحر قلوبهم بلفتات انسانية لطيفة كاللجان الشعبية وتوزيع الحلوى، فيكتفون بذلك وينسون القضايا والمواقف الاعمق والابعد تأثيراً، كحقوق الانسان وحرية الفرد وما الى ذلك.
نعم هي لفتة لذيذة، لكنها "قِدمت". كانت وليدة ظروف معينة في فترة ما وانتهى الأمر. اما الآن، فأنا كمؤمن بمدنية الدولة وبالليبرالية والعلمانية، في انتظار الاهم والاكثر حيوية وتأثيراً.
والبقية تأتي تباعاً...
0 comments:
Post a Comment