دون اهدار الوقت في مقدمات، اقرأوا معي ما يلي، ثم اعقبه بتعليق قصير ومفاجأة صغيرة...
- الظاهر اننا جميعاً نعاني من حدة غريبة علينا في الطبع وضيق الصدر، وخطف للمعاني خطفاً، وحساسية شديدة للنقد.
- المصير الطبيعي لقضية اي شعب، ان يملك زمامها بنفسه ولنفسه اولاً.
- النعامة ابداً لا تدفن رأسها في الرمال انما هي تقرب من رأسها العالي وتلوي عنقها لكي يصبح الرأس قريباً جداً من الأرض لتسمع دبيب أي قطيع متوحش قادم، وتدرك من أين هو قادم، لتحدد اتجاه نجاتها وانطلاقها بسيقانها الى ابعد بعيد. اذن حتى النعامة لا تتعامى عن الخطر. الانسان هو الحيوان الوحيد الذي أحياناً ما يرى الخطر ولكنه يتعامى عنه.
- لا بد أن يكون من صميم عمل السفير في اي بلد عربي ان يقيم اوثق الروابط مع الجالية المصرية، وان يطالب بحقهم في التكتل دفاعاً عن انفسهم ضد اي ضرر يلحق بأحد منهم. ولترتفع كرامة المصري في كل مكان يعمل به. فهو اخلص من يعمل واشرف من يبذل الدم والعرق في سبيل كل دولار او دينار او ريال سيناله.
- علينا ان نأخذ العمالة المصرية في الخارج مأخذاً جاداً جداً، وعلينا أن ندرس ونحصي بالضبط عدد من يعملون بالخارج ونوع اعمالهم وتخصصاتهم حتى لو احتجنا لاحدهم استقدمناه كخبير (غير اجنبي) ودفعنا له اجر الخبير الاجنبي فهو اولى وقلبه هو اللصيق بقلوبنا ومصلحتنا.
- كنز وجودنا الاصيل: المواطن المصري في الداخل او في الخارج.
- منذ البداية كنت اعترض على كلمة حياة ديموقراطية "سليمة" هذه، فلا توجد حياة ديموقراطية سليمة وحياة ديموقراطية غير سليمة، وانما توجد حياة ديموقراطية او حياة غير ديموقراطية.
- لا شئ هناك اسمه الحرية، هكذا، في الهواء، الحرية مجرد رغبة بشرية لا يمكن ان تحقق نفسها الا من خلال كفاح الانسان ونضاله وقدرته على التحقيق. الحرية مقترنة بتطبيق محدد.
- نحن قد جعلنا من الانفتاح راسمالية بدون قواعد اللعبة الراسمالية الكاملة، واذا سمينا الاشياء باسمائها، فإن قمة الراسمالية في العالم هو النظام الامريكي، والنظام الامريكي قائم على مبدأ حرية المنافسة التجارية والصناعية والزراعية، ولهذا فالحرية مطبقة في كل ناحية من نواحيه، وضمانات الحرية، حرية تكوين الاحزاب، حرية التعبير، حرية اصدار الصحف، حرية مهاجمة الكنيسة حتى، مكفولة تماماً بحكم الدستور.
- نحن فقراء فكرياً لأننا لا ننتج ونحن لا ننتج لأننا حقيقة فقراء فكرياً وليس لأن هناك ازمة اقتصادية اوتضخماً.
- لا يمكن للانسان ان يكسب الا بفكرة يتفتق عنها ذهنه وهكذا من المستحيل على شعب لا يفكر ان يكسب الا ان يفكر بعض افراده بطريقة منحرفة، ويسرقون.
- لكي ننتج لا بد ان نرسى على بر. اما ان نصبح راسماليين بكل الضمانات الراسمالية للعدالة والديموقراطية. واما ان نصبح اشتراكيين بكل مزايا وعيوب الاشتراكية. لا انتاج بغير الرسو على بر. بر بكل مزاياه وعيوبه. بر نبدأ منه رحلة وجودنا الحقيقية تلك التي نضطر معها ان نفكر تفكيراً غنياً يتحول بدوره إلى انتاج غني وثروة حقيقية وحياة وحضارة.
- اذا كان المسئولون في مصر قد اعلنوا اكثر من مرة اننا لا يمكن ان نسير في كنف قوة عظمى فكلنا مع هذا الرأي شرط ان ندرك لماذا اضطررنا ونضطر للسير في كنف قوة عظمى شرط الاعتماد على النفس اولاً واخيراً ولكي تعتمد عليّ لا بد ان تعطيني الحق في ان اكون انا.
- المأزق الذي نحن فيه، مأزق وجود وليس مجرد ازمة اقتصادية او فكر، وخوفي الاكبر ان نخرج منه بطريقة متفجرة تؤدي بنا الى مأزق اكبر بكثير، مأزق الجنون او التعصب او القوة الغاشمة.
- ظاهرة فقر الفكر وفكر الفقر: الفقر في الأفكار المؤدية إلى فقر في الحياة والانتاج، والفقر في الحياة والانتاج حين يؤدي بدوره إلى فقر فكري، وهكذا دواليك، تلك الدائرة الجهنمية المفرغة التي دخلناها واصبح حلم حياتنا الاكبر ان نخرج منها.
- الشعوب حين تعرف بالدقة مشاكلها فانها بالتلقاء وبالسليقة وبغريزة الدفاع عن النفس التي ركبتها فيها الحياة، تنفض عن نفسها اوتوماتيكيا ما ادركته من مشاكلها. فما بالك وهي ليست مشاكل، انها اخطار ماحقة، مجرد ادراكها قفزة هائلة في وعينا بانفسنا وما تضمره لنا الايام، وما يضمره لنا الآخرون.
- اذا كان التهديد الخارجي لحياتنا من هم متقدمون عنا علماً ودهاء وتكنولوجيا، فان تهديداً آخر اصعب ينخر فينا من الداخل، وهو تهديد اصعب لانه من الصعب تماماً رؤيته وقد تنكر لنا في اشكال وانواع من الموجودات والموروثات، حتى اقدس اقداسنا تنكر به.
---
التعليق القصير: لخص كاتب السطور السابقة عدداً من مشكلاتنا الراهنة كمصريين، اغلبها ممتد معنا من قبل ثورة 25 يناير حتى لحظتنا هذه. كما قدم بعض رؤيته لتصحيح المسار.
المفاجأة الصغيرة: كاتب هذه السطور هو المرحوم د. يوسف إدريس، نقلتها بالحرف والنقطة عن كتابه "فقر الفكر وفكر الفقر" الطبعة الأولى 1985! يا كسفتي وأنا اقرأ أن عيوبنا ومآخذنا ومشاكلنا عام 1985 هي هي بحذافيرها عيوبنا ومآخذنا ومشاكلنا الآن وحتى بعد عام من الثورة!
رجاء مِن كل أبناء وبنات ثورة 25 يناير الحقيقيين، ومِن كل مصري يعي مغزى ثورتنا الحقيقي:
الثورة الحقيقية فرصة للتغيير الجوهري الضروري لا تسنح لشعبٍ إلا مرة كل دهر. الثورات، حين تَصِّح، تغسل خطايا الشعوب. فلندرك أن ليس التقدم بتحسين ما كان بل بالسير إلى ما سيكون (جبران خليل جبران). ارجوكم، كفانا انشغالاً وتشتتاً، طوال سنة كاملة، عن حرث تربة وبذر بذور المستقبل القريب – وليست تلك البذور إلا التي عرفناها نقية بكراً طوال 18 يوم في ميدان التحرير، قبل أن يركب مَن ركب ويتشعلق مَن اتشعلق. لو لم نصحح المسار، ونعود به الى صحيح ثورتنا، اخاف أن يأتي يوم في 2038م ، يكتب فيه أحدهم: يا كسفتي وأنا اقرأ أن عيوبنا ومآخذنا ومشاكلنا عامي 1985 و 2012 هي هي بحذافيرها عيوبنا ومآخذنا ومشاكلنا الآن!
يوسف ادريس
0 comments:
Post a Comment