للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Friday, February 17, 2012

البرادعي وانجيلينا جولي وفيلمها: رأي وَرَد

هذه تدوينة للرد على مقال بقلم الفاضل ضياء احمد (هنا)، قرأته على صفحات فيسبوك، يهاجم فيه البرادعي وانجيلينا جولي وفيلمها الذي سلّم لها البرادعي جائزة عنه في مهرجان السينما من اجل السلام في برلين. هي تدوينة في سبيل الحوار الفكري الراقي، اختلف فيها مع رأي الكاتب احمد ضياء، بعد التعبير عن كامل احترامي لشخصه.




الجزء الاول: التحليل التاريخي

وضح استاذ ضياء الخلفية التاريخية لأحداث حرب البوسنة والهرسك على انها "بين الصرب الأرثوذكس من جهة وبين البوسنة والهرسك المسلمين من جهة أخري"، وهو تقديم لجزء من الحقيقة لا الكل. فقد بدأ الصراع بين  الصرب الارثوذوكس من جهة، ومن جهة اخرى مسلمي البوسنة والكروات الكاثوليك. ولم يكن الصراع دينياً على الاطلاق، بل كان ناتجاً عن تقسيم يوغوسلافيا، حينما اجرت "جمهورية البوسنا والهرسك" استفتاءاً للاستقلال، ونالت استقلالها فعلاً.كانت البوسنة والهرسك تتكون حينذاك من مسلمي البوسنة (44%)، والصرب الارثوذوكس (31%)، والكاثوليك الكروات (17%). وقد قاطع قادة الصرب ذلك الاستفتاء وبالتالي رفضوا نتيجته، فكانت الحرب الناتجة عن ذلك الموقف. حمل الصرب حملتهم طمعاً في الاستيلاء على ارض يجعلونها دولة للصرب، معتدين على الكروات (الكاثوليك)، والبوسنيين (المسلمين). توالت الاحداث، ثم سرعان ما اراد الكروات ارضاً مستقلة لهم ايضاً، فاتفقوا مع الصرب على تقسيمة ترضي الطرفين، فدارت دائرة الحليفين الجديدين الكروات والصرب على البوسنيين. عانى البوسنيون من جرائم حرب بشعة، اقلها التهجير القصري من دورهم ووصلت الى الاغتصاب الجماعي لنسائهم بل التطهير العرقي والذي فضحه عشرات المقابر الجماعية. 



اذاً لم يكن ابداً صراعاً دينياً او اضطهاداً، بل كان نزاعاً سياسياً على اسس عرقية. وقد تبادلت حكومات البوسنة وكرواتيا والهرسك الاعتذارات الرسمية واعلانات الصلح الرسمي في الفترة ما بين 2004 و2010.

كما ذكر الكاتب مَن "تجاهلوا شعب البوسنة الأعزل المسلم الذى تمت أبادته بتواطؤ عالمي بزعامة غربية"، وهي ايضاً عبارة تعوزها الدقة التاريخية.  فقد تشكلت عام 1993 المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، بالقرار 827 لمجلس امن الامم المتحدة، للتحقيق والحكم في جرائم حرب البوسنة والهرسك، موجهة تهم القتل الجماعي والتطهير العرقي لـ 45 قائد صربي و12 قائد كرواتي و4 قادة بوسنيين. اما على المستوى الشعبي، فقد صدرت عشرات الافلام من هوليود مؤرخة لفظائع الصرب في تلك الحرب، منها على سبيل المثال Savior (1998) و Behind Enemy Lines (2001) و The Hunting Party (2007)، واخيراً الفيلم المعني In The Land of Blood and Honey (2011).




الجزء الثاني: تحليل الفيلم

لم اشاهد الفيلم بعد، اذ انه طُرح عرضاً محدوداً حتى في الولايات المتحدة نفسها، لكنني اعرض قصته وفق عدة مراجع، منها:

قال الكاتب: "تدور قصة الفيلم عن هذه الحرب، ولكن من الجانب الحيواني اللاديني الذى تهتم هي وأمثالها به، فتصور قصة حب -قصة عهر- نشأت بين فتاة "بوسنية مسلمة" وجندى "صربى مسيحي" بعد أن قام بإغتصابها! وكيف أنهم يحاولون النجاة بحبهم وسط الحرب".


لا اعلم مَن هم "هي وامثالها"... هل هم الممثلون عامة؟ ام الممثلات الشقراوات؟ أم مخرجات الافلام السينمائية؟ ام زوجات نجوم هوليوود؟ لا اعلم! ولكن ليست هذه قضيتنا. وكيف تكون القصة لا دينية بينما بطلاها مسيحي ومسلمة وليسا ملحدين او "لا دينيين"؟ واين الحيوانية في قصة حب جمعت بين رجل وامرأة؟


الصحيح ان سيناريو الفيلم يدور حول قصة حب بين البطلين نشأت قبل الحرب، وتنبع الدراما من كون البطل مقاتلاً صربي يتصادف ان تقع البطلة البوسنية اسيرة في المعتقل المنوط هو بحراسته، وهو المعتقل الذي يتم فيه اغتصاب الاسيرات جماعياً، امام اعين المقاتل الصربي. ويدور الصراع النفسي بين الخضوع لاملاءات الحرب والاطماع، مقابل التمسك بالعلاقة الانسانية التي تربطهما من قبل الحرب واهوالها وتفريقها.


قال الكاتب الفاضل ايضاً: "ما حدث فى عام 2011 هو أن أنجلينا جولى فشلت فى تصوير الفيلم بالبوسنة نتيجة أحتجاجات جمعيات الدفاع عن حقوق النساء المسلمات المغتصبات فى معسكرات الأعتقال الصربية علي الفيلم وقصته الوقحة المريضة والمثيرة للشفقة." وهذه نصف الحقيقة. فقد ترددت انباء مغلوطة عن ان الفيلم هو قصة علاقة غرامية نشأت بين مغتصب وضحيته، فرفضت وزارة الثقافة البوسنية فعلاً منح جولي وطاقم عملها تصاريح العمل في بوسنيا، بناءاً على احتجاجات رسمية من "جمعية النساء من ضحايا الحرب". ولكن، بعد اقل من اسبوع من الرفض الصادر في الاربعاء 13 اكتوبر 2010 (وليس 2011)، صدر التصريح الرسمي من وزير الثفافة البوسني جابريلو جراهوفاش لجولي وطاقم عملها، بعد ان ارسلت له انجيلينا نص السيناريو والحوار ليطلع عليه بنفسه. وفعلاً، جرى التصوير في سراييفو ذاتها، والتي شهدت حصاراً على يد الصرب من 5 ابريل 1992 حتى 29 فبراير 1996، وقتل ما لا يقل عن 10،000 بوسني. وهاكم الخبر الذي ذكر صدور التصريح الرسمي لجولي بعد سوء التفاهم الذى وقع حول قصة الفيلم. وان كان جزء من الفيلم تم تصويره فعلاً في المجر، كما ذكر الكاتب الفاضل.

كما فات الكاتب الفاضل ايضاً ان يذكر رأي مراد طاهروفيش (رئيس جمعيى اسرى الحرب) في الفيلم بعد العرض الخاص في سراييفو: "نجحت جولي بجدارة بسرد قصة الحرب كاملة في فيلمها وكشف ابرز المواقف التي تعرض لها المأسورون – الاعدام الجماعي، والاغتصاب، استخدامهم كدروع بشرية، وغيرها من الاهوال"! كما وصفته خديجة محمدوفيش، رئيس احدى جمعيات امهات ضحايا مذبحة سريبرنتسا بأنه "موضوعي ومخلص"، شاكرة جولي على "استثمارها العقلي والمادي." جدير بالذكر ان خديجة نفسها كانت من اشد المعارضات لفكرة الفيلم حين ترددت انباء عن كونه يسرد قصة حب بين مغتصب وفريسته.


من الطريف ايضاً ان مَن عارض الفيلم هم الصربيون! فقد رفض Željko Mitrović احد اباطرة صناع السينما في صربيا السماح لجولي وطاقمها باستئجار ستوديوهاته، معللاً ذلك برفضه "لفيلم يقدم الصرب على انهم الاشرار الابديين"!




الجزء الثالث: الخلاصة


ارى ان المحترم ضياء احمد قد اطلع فقط على الضجة الاعلامية التي اثيرت حول الفيلم قبل عرضه، حين شاع عنه انه "قصة عهر نشأت بين فتاة بوسنية مسلمة وجندى صربى مسيحي بعد أن قام بإغتصابها"، والتي هي غالباً ضجة مفتعلة بفعل صناع الفيلم نفسه على سبيل الدعاية ولفت الانتباه للفيلم قبل طرحه! ولم يطلع بعدها على الحقائق والوقائع عند عرض الفيلم، والذي نال رضا البوسنيين انفسهم حكومة ومجتمعاً! ولم نسمع ابداً من اي طرف معنِيّ ان الفيلم "يوحي للمشاهد بأن الأديان *وعلى رأسها الإسلام قطعاً* هي سبب تعاسة البشرية وحروبها والحل الذي يقفز لذهن المشاهد فى اللاوعي هو أن تنبذ البشرية كل الأديان وتلحد بالله وتكفر بالأنبياء فينتج تلقائياً السلام العالمي"!



فلا الفيلم، كما وضحنا اعلاه، هو دعوة للانحلال، ولا يصور ضحية تهيم بجلادها، ولا هو اثار حفيظة مسلمي البوسنة، ولا هو دعوة للعلمانية، ولا العلمانية اصلاً دعوة لنبذ الديانات انما هي ببساطة الاقتناع بأن الحكومات وكيانات أخرى متعلقة بها يجب أن تنأى بنفسها عن الأديان والمعتقدات الدينية. أي أن العلمانية هي الشكل الممنهج لفصل الدين عن الدولة. (وللعلم بالشئ، فإن فكرة العلمانية قديمة ولها بداياتها في فكر ابن رشد، الذي نادى بتحرير الفلسفة من قيود الدين). ليست العلمانية فكرة ضد الدين، بل هي مستقلة عنها. العلمانية على اطلاقها، فلسفة سياسية في المقام الأول، وخطأ فادح تصنيفها جنباً إلى جنب مع اللادينية والإلحاد! فبينما ينكر الإلحاد وجود الله، تتجنب العلمانية الاحتكاك بالدين سواء بالسلب أو الإيجاب.

اما الفنانة انجيلينا جولي التي وصفها الكاتب الفاضل بأنها "ممثلة الإغراء الرخيص" و "الغير محترمة" و"المريضة"، فيكفي رداً على تلك الاتهامات الصورة التالية:



اما البرادعي، فسيذكره التاريخ بأنه الرجل الذي:
  •     عارض مبالغات امريكا في تهويلها لخطر "السلاح النووي الايراني" حين كان رئيساً لوكالة الطاقة الذرية، رافضاً اقتراح التدخل العسكري (الخبر من الصحافة العالمية هنا)
  •     كذَّب تصريحات بوش حول سلاح العراق النووي
  •     طالب بفتح الحدود المصرية مع غزة، متهماً اسرائيل بكونها اكبر خطر على الشرق الاوسط لامتلاكها السلاح النووي (الخبر من الصحافة العالمية هنا) 
  •     نادى بالتحقيق الدولي الرسمي في جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة بوش في العراق (الخبر من الصحافة العالمية هنا) 
  •     بدأ حراك التغيير في مصر، وكان قدومه الى مصر وتأسيس "الجمعية الوطنية للتغيير" ضربة المعول الاولى في عرش مبارك
  •     نال جائزة نوبل للسلام عام 2005، ثم تبرع بقيمتها كاملة لبناء دور الايتام في القاهرة


الا هل بلغت، اللهم فاشهد!





0 comments:

Post a Comment