للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Thursday, January 26, 2012

اراد ان يحتفلَ هؤلاء

اراد المجلس العسكري ان يحتفل بعيد ميلاد حكمه بعد انزياح غمة توريث الحكم لمدني لا ينتمي للمؤسسة العسكرية.


ارادت قيادة الشرطة العسكرية ان تحتفل باصدار صك غفران خطاياها الدموية في حق الثوار طوال العام الماضي.


اراد رجال التيارات الدينية السياسية ان يحتفلوا بانقضاء ايام الاستتار في الجحور واستبدال صفقات امن الدولة الظالمة "الخنوع مقابل البقاء" بصفقات "الكرسي مقابل امان الخروج".


اراد الفلول ان يحتفلوا بأنها والحمد لله جَت على كده. سقط رأس نظامهم، لكن بقى لهم النظام نفسه، يستعيد عافيته وبأسه شيئاً فشيئاً.


رأينا مَن اراد للميدان الذي زأر فيه الشهيد ثم نزف دماءاً ومات ان يصير مَرقَصاً ومسرح منوعات.


حقاً، ان آفة حارتنا النسيان!


فقد نسى اولئك مطلب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية! نسوا جثامين مينا دانيال وعلاء عبدالهادي والشيخ عماد عفت التي تنتفض في قبورها عند وقع كل قدم تضرب ارض الميدان رقصاً... تنتفض عساها تُذَكِّر اولئك "المُحتَفلين" بما مات الشهداء لأجله، تلك الاهداف التي طغت على صوتها في عقول "المُحَتفِلين" نغمات الطرب والزمر والزغردة بالوصول الى سلطة، سلطة هي في الاصل منبثقة عن ميدان التحرير ونبضات قلبها انما هي من حرارة دماء مئات الشهداء! نسى اولئك "المحتفلون" عيون حرارة ورضا وعشرات الشباب الذين لا نعرف اسماءهم، لكننا نراهم كل يوم في الشارع بنظاراتهم السوداء او ضمادات عيونهم. فقد كادوا ان يصيروا فعلاً "في الشارع"... الثورة التي ازكوا لمعانها بنور عيونهم باتت قاب قوسين او ادنى من الطرد في الشارع خارج الميدان، بينما حاول اولئك "المحتفلون" تعبئة الميدان بالراقصين والمطربين، فرحاً بنشوتهم المتلذذة بالمقاعد الوثيرة تحت القبة اللامعة، وكأن تلك هي نهاية السعي والمطاف!


لكن الثوار الحقيقيين اعادوا المياه النقية الى مجاريها المستقيمة. بينما نصب "المحتفلون" تياترو، خرجت المسيرات مرة اخرى من انحاء العاصمة صوب التحرير. ويا لاحباط "المحتفلين"، فلم تكن تلك مسيرات بالخيول الراقصة والحلوى والرق والصاجات، انما كانت مسيرات غطى فيها الافراد وجوههم بايقونات الشهداء الذين سقطوا منذ "نجاح" الثورة المزعوم، فكانت رسالة: تذوب الاشخاص ولا يبقى غير حلم اولئك الشهداء الذين اتخذناهم هوية لنا! فكانت وجوه الشهداء المطبوعة تلك وحدها كفيلة للرد على كل مَن اراد اختزال الثورة في برلمان او احزاب. فالهتاف الذي دحرج مبارك عن كرسيه لم يكن مطالباً بمجلس ولا نواب، انما كان بالاحرى مطالباً بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية! فخرجت الآلافات اليوم تعلن: لن نحتفل نحن المصريين الثائرين الحقيقيين الا حين ننجز انجازاً حقيقياً! ليس البرلمان الذي تبادل التهاني مع المجلس العسكري وصياً علينا، انما نحن، الشعب في ميدان التحرير، اولياء نعمته!


فبينما اراد قوم "الاحتفال" بغنيمة سقطت في حجرهم دون عناء منهم، عاد الشعب يُذَكِّرهم: ما بين ايديكم الآن هو من فضل ربي اولاً وفضل شعب بذل عيوناً واجساداً بل ارواحاً!


ارى اليوم رسالة زاعقة لكل مَن اعتبر نفسه "فارساً مغواراً" و"حاوياً عبقرياً"، وتوهم انه سيكسب الشارع في العلن والمجلس العسكري في الخفاء: الميدان سيدكم، والاصوات التي رفعتكم الى البرلمان ستسحبكم الى الاقبية كما فعلت مع مَن كانوا اقدر منكم، ان تصورتم للحظة انكم اصحاب الحل والربط والقرار، وان المرجعية هي لشبقكم للسلطة لا لروح ميدان التحرير التي تجلت طوال 18 يوم في 2011، وعادت تسترد تلألؤها في 2012!


اقترحتم الدية والخروج الآمن، وحييتم الجنرالات في الايام الماضية، فجاء رد الشعب عليكم بقوة الرد الذي ارسلوه يوماً حين قالوا: مش هانمشي! هو يمشي! واخالني في غنى عن تذكيركم بما احدثه ذلك الرد منذ عام، كما انني في غنى عن تحذيركم مما قد يحدثه رد اليوم!


تحية لانتفاضة اليوم 25 يناير 2012، وكم اتمنى ان تدوم وتنمو فتعوضنا عما فاتنا طوال العام الماضي، فتعود الثورة الى صراطها المستقيم الذي رُسِمَ في ميدان التحرير طوال الـ18 يوم، واراد البعض تحويله ليصب في نرجسيتهم وشهوتهم للسلطة. خلق شباب مصر منهجاً جديداً لوطننا، وفي براءتهم وصفاء نيتهم تركوه ليجمع ريعه "المحتفلون"، ولكن تبقى قيمة الانسان في ما يخلقه، وان كان قليلاً، وليس في ما يجمعه وان كان كثيراً (جبران خليل جبران)!


في الثورات، القناعة يأس والرضا بالقليل انتحار.



1 comments:

Tamer Wassef said...

Revolutions have never lightened the burden of tyranny. They have only shifted it to another shoulder.

GEORGE BERNARD SHAW, Man and Superman

Post a Comment